الأم
مهما كان لنا أناسٌ مقربون لنا، ومهما زاد عدد الأشخاص من حولنا، فلا يوجد أحد يعوض عن مكانة الأُم، ومهما كبرنا في العُمر وأصبحنا راشدين ويُمكن الاعتماد على أنفسنا ويُمكننا تحمل المسؤولية، لا نستطيع الاستغناء عن الأُم، ولا يُمكن أن يكون لنا مُستقبل دون الأُم فهي منبع اليقين لدينا، ومنبع الحُب والسعادة، وحتى المال لا يُمكن أن يُعوض عن الأُم.
الغنى هو الغنى بوجود الأُم، فالأُم "هي كُل شيء في هذه الحياة فهي التعزية في الحُزن والرجاء في اليأس والقوة في الضعف" كما قال جبران خليل جبران، والضُعف حقاً هو العيش بلا أُم.
الأُم كلمة صغيرة مملوءة بالأمل والحب، وكُل ما في القلب البشري من الرقة والحلاوة والعُذوبة، وهي ينبوع الحنان، والرأفة، والشفقة، والغفران، فالذي يفقد أُمه يفقد صدراً يسند إليه رأسه، ويداً تُباركه وعيناً تحرسه.
الأُم هي التي تُغذي أبناءها من عُصارة دمها جنيناً، ومن عذب لبنها طفلاً، ومن خُلاصة روحها حبيباً، ومن مثلها الأعلى رجلاً وكهلاً، والأُم أيضاً هي الإنسانة الوحيدة التي قد تنسى أن تدعو لنفسها في صلاتها لأنها تكون مشغولة بالدعاء لأبنائها.
كما أن الله تعالى لم ينسَ تركيم الأم وضرورة احترامها وبرها من قبل أبنائها، حيث قال تعالى: "ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً، حملته أمه كُرهاً ووضعته كُرها وحملُه وفصاله ثلاثون شهراً".
كما تحدثت السنة النبوية الشريفة عن أهمية وفائدة الأم، فقد جاء رجلٌ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ اللهِ، من أحقُّ الناسِ بحُسنِ صَحابتي؟ قال: أُمُّك. قال: ثم من؟ قال: ثم أُمُّك. قال: ثم من؟ قال: ثم أُمُّك. قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك. وهذه دلالة على أهمية وفائدة طاعة الأم والإحسان إليها، فمن رعانا في صغرنا؟، ومن يفرح لفرحنا ويحزن لحُزننا؟، ومن يدعو لنا في كل صلاة؟ ومن يتمنى لنا كُل خير في حياتنا ولا يتمنى أذيتنا أو إصابتنا أي مكروه؟ ومن الصديق الحقيقي في هذه الحياه؟ ألا تستحق منّا أن نرعاها في كِبرها وأن نُطيعها ونُحسن إليها؟
كم سهرت لننام؟ وكم جاعت لنشبع؟ كم شقت لنُسعد؟ فهي رحمة من رب العالمين، والأُم ماعرف قدرُها إلّا الله تعالى، فقد جعل الجنة تحت أقدامها، وجعل النظرة إلى وجهها عبادة، وجعل رضاها من رضاه، وربط حقه بحقها، وربط شكره بشُكرها، فأُمي نعمة أخشى من حرمانها.
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يُريد الجهاد، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع ويبرّ أُمه، فأعاد الرجل رغبته في الجهاد، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع ويبر أُمه، وفي المرة الثالثة قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ويحك! الزم رجلها فثم الجنة".
اللهم أبعدنا عن عقوق الوالدين وعقوق الأُم، واجعلها دائماً راضية مرضية عنّا، فلا ننسى أن الجنة تحت أقدامها ورضا الله من رضاها، فمهما قُلنا لا نستطيع أن نوفيها حقها في القول..