الرِّزق هو أكثر المواضيع التي تشغل بال وفِكر البشر على مرِّ العصور، والرِّزق هو الحظ والنصيب، واصطلاحاً هو ما قُسِم للعبدِ من أصناف احتياجاته. والرزق لا يُشترط فيه أن يكون حلالاً، فقد يرزق الله عبده ولكن يكون هذا الرِّزق حراماً، كالذي يلعب القمار ويكسب، فهذا رِزق ولكنه حرامٌ والعياذ بالله. وقضِية الرِّزق التي تقُضُّ مضاجع البشر متَّصلة بالمال في أغلب الأحيان، فكل إنسانٍ يريد أكثر مما يأخذ، وفي اعتقاده أنه يستحقُّ أكثر منه، ولكن ظلم الدنيا له وجَوْرُها عليها هو ما أدَّى به إلى هذه الحالة؛ حتى وإن كان يمتلك من الرِّزق الكثير.
الرِّزق لم ولن يكن يرتبط بالمال حصراً؛ مع أن هذه هي النظرة العامة عند الأغلبية العظمى من البشر. فالرِّزق مرتبطٌ بكل مناحي الحياة التي يحتاجها الإنسان، فالصِّحة رزق والأبناء رزق والصُّحبة الطيبة رزق، الزوجة الصالة رزقٌ لزوجها، والزوج الصالح رزقٌ لزوجته، الوالدين رزق، الإيمان رزق، محبة النبي صلى الله عليه وسلم، العمل الصالح يعمله العبد رزق، إلخ من الأمور التي لا تخطر ببالنا وتكون رِزقاً ولكننا نغفله ولا نطلبه. أينما نظرتَ حولك؛ فإن كل ما أنت فيه هو رِزقٌ من الله الوهَّاب الرزَّاق، وهذا لا ينفي أن المال أيضاً من الرِّزق، قال تعالى (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور)، وهذه دعوة صريحة للسَّعي إلى الرِّزق، فلا بُدَّ للإنسان أن يسعى حتى يأخذ من رِزق الله، فالسماء لا تُمطِر ذهباً ولا فضة.
الله هو الرزَّاق، فهو الذي خَلَقَ الخَلْقَ وتولَّى أرزاقهم، قال تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ)، وفي الحديث القدسي (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان منهم مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر)، فالرزق على الله ولا يجوز طلبه من سواه، وهو حقٌ أعطاه الله للبشر في قوله تعالى (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ(22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَاْلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ(23)). حقٌّ فرضه الله سبحانه وتعالى على نفسه وجعله لخلقه كافة.
الرِّزق مقسوم من الله عزَّ وجل، ولكن لا بدَّ للعبد أن يسعى، ويجب عليه بعد السعي وتحصيل رزقه أن يشكرَ الله ويحمده، فقد أخذ ما قد قُسِمَ، ولو سخط وغضب فسيأخذ ما يُقسَمُ له أيضاً؛ ولكن مع التعب والمشَّقة كما قال الله في الحديث القدسي (يا ابن ادم خلقتك لعبادتي فلا تلعب وقسمت لك رزقك فلا تتعب فان انت رضيت بما قسمته لك ارحت قلبك وبدنك وعقلك وكنت عندي محموداً، وان لم ترضى بما قسمته لك اتعبت قلبك وبدنك وعقلك وكنت عندي مذموماً، فوعزتي وجلالي لأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحوش في البريه ثم لا يكون لك منها الا ما قسمته لك)، لن تأخذ أكثر من متعرف ما هو مقسومٌ لك، فاشكر تؤجر ويُبارك الله لك في رزقك، أو اسخط فتتعب؛ ولن تجد غير تعرف ما هو مقسوم لك.