مدينة القدس ، عاصمة فلسطين ، وقبلة قلوب الأشراف على وجه الأرض ، هي من أكبر المدن الفلسطينية مساحة ومن ناحية التعداد السكاني ، ومن أكثر المدن أهمية وفائدة على نطاق العالم من الناحية الإقتصادية والدينية ، ومحور الصراع منذ الأزل وحتى يومنا هذا ، أطلق على المدينة التاريخية عدة مسميات على مدار التاريخ كـ بيت المقدس ، أولى القبلتين ، وتطلق عليها دولة الإحتلال أورشليم القدس .
تعتبر مدينة القدس المرآة التي عكست حضارات الشعوب التي مرت بها وأمتها على مدى التاريخ ، فبالإضافة لكونها من أقدم المدن تاريخيا فهي أيضا من أقدسها على الإطلاق ، وتعتبر أرض الميلاد والروح للديانات ، فهي أرض المسيح ومهده ، و منها ولدت المسيحية لتنتشر في الأرض ، وهي الأرض التي عرج منها النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماء ، وأيضا هي أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين .
من أهم الأماكن الإسلامية التاريخية في المدينة المسجد الأقصى بدأ في بناء المسجد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان ، وأتم بناءه الخليفة الوليد بن عبد الملك في القرن السابع للميلاد ، وعند سيطرة الصليبيين على المدينة والتي كانت هي السبب الرئيسي في حملتهم البربرية على الشرق ، قاموا بتحويل جزء من المسجد إلى كنيسة ، أما ما تبقى منه قاموا بتحويله إلى مسكن لفرسان الهيكل ، ومستودعا للذخائر ، حتى قيام صلاح الدين الأيوبي بتطهير المدينة من الوجود الصليبي ، وأصدر أوامره بإصلاح المسجد وتجديد محرابه ، وقام بكساء القبة بالفسيفساء ، وجعل للمسجد منبرا من شجر الأرز والأبنوس ومرصعا بالعاج ، وبقي على حاله التي تركها عليه صلاح الدين حتى تم إحراق المسجد في الثاني عشر من آب عام 1969م ، على يد متطرف يهودي يدعى روهان ، حيث أكلت النيران ثلث مساحة المسجد الإجمالية ، وأتت على منبر صلاح الدين .
مسجد قبة الصخرة والذي أمر ببناءه الخليفة عبد الملك بن مروان في القرن السادس للميلاد ، ورصد لعملية البناء ربع خراج مصر لفترة زمنية بلغت سبعة أعوام ، وما تبقى من المبالغ المخصصة لعملية البناء قام بصهرها وتفريغها على قبة المسجد وأبوابه ، فكانت تحفة فنية تسر الناظرين بقبتها النحاسية وأبوابها المطلية بالذهب .
يحيط بالمدينة سور تاريخي ، يتخلله أحد عشر بابا ، سبعة منها مفتوحة وباقي الأبواب مغلقة .
ومن أهم الأماكن المقدسة المسيحية في المدينة وأقدمها كنيسة القيامة ، والتي تحتوي وفق الإعتقاد المسيحي على قبر سيدنا المسيح عيسى بن مريم عليه السلام ، بنيت الكنيسة في القرن الثالث للميلاد ، حيث قامت الملكة هيلانة ببناءها في موقع الصليب الذي صلب فيه المسيح . تم إحراق الكنيسة في القرن الميلادي السادس على يد الفرس ، وقام الراهب ( مود ستوس) بعد عامين بإعادة بناءها ، وتعرضت الكنيسة التاريخية لحريق آخر في عهد الإخشيدي في القرن التاسع للميلاد ، وأعيد تعميرها من جديد بعد عدد من السنوات ، وتعرضت بعد عدة قرون لحريق كبير أتى على الكثير من معالمها ، بالإضافة لتعرضها لزلزال كبير في القرن الثامن عشر ، وتعهدت روسيا وفرنسا بلإعادة إعمارها تحت إشراف السلطات العثمانية ، وتعرضت لزلزال آخر في عهد الإنتداب البريطاني ، مما حدا بالقوات البريطاني إلى وضع دعامات خشبية وحديدية لحماية الكنيسة من الكوارث الطبيعية التي تهددها .
مدينة القدس ، لو أردت الحديث عنها بإسهاب وعن أهميتها للزمني مجلدات ولن تكفي ، ولكن اكتفيت بنقاط من تاريخ مزدحم بالأحداث ، تاريخ حافل بالآلام والنكبات تتخلله لحظات كانت تشرق فيها شمس حرية خجولة على المدينة لا تلبث على الغروب .
مدينة القدس لا يعلم ما تترك من أثر عميق في القلب إلا من وطأت قدماه ثراها ، ليقرأ تاريخا ينبض على أسوارها وفي أزقتها حيث تدغدغ أنفه رائحة التاريخ ممزوجة برائحة الدم ، و أريج أزهار نبتت عنوة على أسوارها لتفتت الصخر العنيد برقتها ، القدس يا قبلة الروح قلوبنا إليك ترحل كل يوم ، وإنني أغني .