كما خرجت مصر العديد من الرجال أصحاب الحس الوطني العالي والقومية العربية، عسكريين كانوا أم مدنيين، نظاميين كانوا أم معارضين، ها نحن اليوم نقف أمام أحد هؤلاء العظماء، أصحاب الهمة العالية، والحماسة التي لا تخبو، أحد أصحاب القومية العربية الشريفة، التي لم تقترن يوما بمصلحة شخصية أو حزبية.
أحمد بهاء الدين شعبان، من الرجالات الذين نصبوا رفعة الوطن أمام أعينهم، وعاشوا معاناة المواطن الفقير الكادح، واختاروا صوته ليعبروا عنه بكلماتهم، اختاروا صمته ليصرخوا من أجله، ستبقى مصر تخرج أمثالك، فبدونهم لن يكون الوطن بخير.
ولد أحمد بهاء الدين شعبان عام 1929م في مدينة الإسكندرية في جمهورية مصر العربية، عاش في أسرة متوسطة، وعمل والده في وزارة الأوقاف، درس الحقوق في جامعة القاهرة التي كانت تسمى في ذلك الوقت جامعة فؤاد اللأول، في 1946م عاصر الحرب العالمية الأولى وتأثر فيها، في عام 1957م عمل في الصحافة وأصبح رئيسا للتحرير في مجلة صباح الخير، حيث يعتبر من أصغر رؤساء التحرير، نشر عدة مقالات، امتازت لغته بالنضج، كتب مقالا لاذعا انتقد فيه التوجه الرأس مالي للرئيس أنور السادات بسياسة الانتفاع الاقتصادي، في فترة عمله كرئيس للتحرير في صحيفة الأهرام التي كانت تعتبر حكومية آنذاك.
في عام 1990م ، دخل الصحفي أحمد بهاء الدين شعبان في غيبوبة دامت ست سنوات بأكملها، إلى أن انتهى به المطاف بالموت في عام 1996م، بعد هذه الفترة الطويلة من المرض، أسست ديزي -زوجته- بمساعدة صديقه محمود عبد الفضيل تخليدا لذكراه جمعية أصدقاء أحمد بهاء الدين، وكانت الجمعيات تقدم جوائز كل عام للشباب في مجال البحث العلمي.
في عام 2010م، أنشأ قصر ثقافة أحمد بهاء الدين في مسقط رأسه وأصبح وجهة المثقفين والأدباء، وحضر الإفتتاح عدة من النخبة الأدبية والثقافية المصرية في تلك الحقبة وعلى رأسهم محمد حسنين هيكل.
خلال فترة حياته قام أحمد بهاء الدين شعبان بكتابة ونشر ما يقارب 37 كتابا نوعيا، تجوهرت أجمعها حول القومية والوحدة وطريقة مواجهة أي عدوان خارجي.
كم نحن بأمس الحاجة لهؤلاء الأشراف، الذين اتخذوا من صدق قلمهم سلاحا في وجه الاستبداد والطغيان، ولم يخشوا في الحق لومة لائم، أصحاب المبادئ والهمم العالية، ستظل مصر تنجب أمثالك، سيكون هناك أحمد بهاء الدين شعبان في كل جيل، وليش واحدا فقط، نحتاج العديد من أجل أن نرتقي بهذا الوطن، ونحقق رفعته وزهوه.
أمثالك يا أحمد لا يموتون أبدا، تظل ذكراهم مخلدة بأعمالهم وحبهم وإخلاصهم، سنذكرهم جيلا بعد جيل، فالوطن لا ينسى من وقفوا من أجله، وأحبوه بصدق، وخلقوا غير الرصاصة سلاحا، لا لتقييد الحريات، نعم لصحافة حرة شريفة نزيهة، نعم لقلم خلق ليكون مرآة الواقع، ليكون رادعا لمن يحاول تزييف هذا الواقع.
فلترقد روحك في سلام، فلتدم ذكراك بين الأحياء، لعلها تحييهم حقا.