تعتبر دراسة التاريخ من المواضيع التي اهتم الجميع بدراستها منذ بداية التأريخ وبداية الحضارات، فقد استفادت جميع الحضارات من تاريخ من سبقوها وحضاراتهم في الاستفادة من أخطائهم، وتعتبر هذه طبيعة في الناس جميعهم فنرى الطفل على سبيل المثال يستفيد من ماضيه وتجاربه فيقوم بتحليل كل ما يتعرض إليه ويصبح هذا جزءا من التاريخ الخاص به والذي يستفيد منه من أجل تطوير مهاراته ومستقبله.
وقد انتهجت جميع الحضارات وجميع المفكرون منذ القدم نهج تحليل التاريخ لما له من ما هى فوائد عديدة فبدراسة تاريخ من سبقونا يمكننا الاستفادة من أخطائهم وتلافي هذه الأخطاء، فكما يقول العظماء على الدوام أن دراسة التاريخ تعمل على إضافة أعمار إلى عمر الإنسان فبدراسة التاريخ والأحداث التي حصلت مع الأشخاص ومع الشعوب والحضارات المختلفة يمكننا الاستفادة مما حصل معهم من أحداث ومن مشاكل وعيوب والاستفادة من خبراتهم المختلفة التي حصلت معهم خلال حياتهم فالإنسان خلال حياته لا يستطيع التعامل مع جميع تجارب الحياة فأي إنسان شاء أم أبى يقوم بالاستفادة من تاريخ من سبقوه عن طريق التجارب التي يقوم والداه بنقلها إليه في الطفولة والتي حصلوا هم بدورهم عليها عن طريق تجاربهم في الحياة وخبراتهم ومن آبائهم وهكذا، فنلاحظ أن بعض الأطفال يكونون متفتحين على الحياة بشكل كبير منذ نعومة أظفارهم وربما كان هذا بسبب الخبرات الكبيرة التي انتقلت إليهم من آبائهم والذين كان لهم بصمة في التاريخ وتجارب عديدة أكثر من الباقين.
فالإنسان الكيس لا يكتفي من الاستفادة من تجارب والديه بل يستفيد من تجارب البشرية جمعاء عن طريق دراسة تاريخهم والحضارات المختلفة التي مرت، فبذلك لا يحتاج إلى البدء من الصفر، فكما نعلم أن الحياة كما شبهها البعض بسباق تتابع يسلم فيه كل شخص الراية إلى من بعده فبإمكان دارس التاريخ إكمال السباق وراء أحد العظماء إما في العلم أو الأدب أو في الحياة بشكل عام فهذا يعتبر احسن وأفضل بكثير من أن يبدأ كل مولود السباق من خط البداية فلا يستطيع بذلك التغلب على الآخرين في الحياة بل يكون متأخرا عمن أكملوا السباق عمن قبلهم بالعديد من الخطوات.
ونرى العديد من المفكرين الذين وصفوا أهمية وفائدة التاريخ بطريقة يعجز اللسان عن أن يصفها فيقول مصطفى محمود " من يقرأ التاريخ لا يدخل اليأس إلى قلبه أبدا، وسوف يرى الدنيا أياما يداولها الله بين الناس ... الأغنياء يصبحون فقراء، والفقراء ينقلبون أغنياء، وضعفاء الأمس أقوياء اليوم، وحكام الأمس مشردو اليوم، والقضاة متهمون، والغالبون مغلوبون، والفلك دوار والحياة لا تقف.. والحوادث لا تكف عن الجريان.. والناس يتبادلون الكراسي، لا حزن يستمر.. ولا فرح يدوم"، وإن احسن وأفضل الكلام في وصف التاريخ هو الكلام المعجز الذي قاله الله عز وجل في كتابه الحكيم والذي لا يستطيع أحد التعبير بمثله فيقول الله عز وجل:" لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب".
