محمد عليه الصلاة والسلام
ولد سيّدنا محمد صلى الله عليه وسلم سنة خمسمائة وسبعين ميلاديّة في عام الفيل في مكة المكرمة، وحسبما ورد في الروايات السنية وُلد الرسول عليه الصلاة والسلام يوم الإثنين في الثاني عشر من شهر ربيع الأول في سنة خمسٍ وعشرين قبل الهجرة، وينتمي سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام إلى قبيلة قريش، وينحدر من نسل سيّدنا إسماعيل عليه السلام، أبوه عبد الله بن عبد المطلب، وأمه آمنة بنت وهب عليهما السلام.
محمد صلّى الله عليه وسلّم سيّد البشريّة، وهو أصل لأهل البيت عليهم الصلاة والسلام وسيّدهم، والإيمان برسول الله عليه الصلاة والسلام جزء من شهادة الإيمان في ديننا الإسلامي.
ولادته عليه الصلاة والسلام
توفّي والد سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام عبد الله بن عبد المطلب قبل أن يولد، وروي عن آمنة عليها السلام أنّها قالت: لما حملت به لم أشعر بالحمل ولم يصبني ما يصيب النساء من ثقل الحمل، فرأيت في نومي كأنّ آتٍ أتاني فقال لي: قد حملت بخير الأنام، فلما حان وقت الولادة خفّ عليّ ذلك حتى وضعته، وهو يتّقي الأرض بيده وركبتيه، وسمعت قائلاً يقول: وضَعتِ خير البشر فعوّذيه بالواحد الصمد من شر كل باغ وحاسد ..." "فقالت آمنة: لمّا سقط إلى الأرض اتقى الأرض بيديه وركبتيه ورفع رأسه إلى السماء، وخرج مني نور أضاء ما بين السماء والأرض ...".
وعن الإمام الصادق قال: "لمّا ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم فُتح لآمنة بياض فارس وقصور الشام، فجاءت فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين إلى أبي طالب ضاحكة مستبشرة، فأعلمته ما قالت آمنة، فقال لها أبو طالب: وتتعجّبين من هذا إنّكِ تحبلين وتلدين بوصيه ووزيره".
وعن الإمام الصادق أيضاً قال: "كان حيث طَلَقت آمنة بنت وهب وأخذها المخاض بالنبي صلى الله عليه وسلم، حضرتها فاطمة بنت أسد امرأة أبي طالب، فلم تزل معها حتى وضعت، فقالت إحداهما للأخرى: هل ترين ما أرى؟ فقالت: وما ترين؟ قالت: هذا النور الّذي قد سطع ما بين المشرق والمغرب! فبينما هما كذلك إذا دخل عليهما أبو طالب فقال لهما: ما لكما من أيّ شيءٍ تعجبان؟ فأخبرته فاطمة بالنور الذي قد رأت فقال لها أبو طالب: ألا أبشرك؟ فقالت: بلى، فقال: أما إنّك ستلدين غلاماً يكون وصي هذا المولود".
حياة الرسول صلّى الله عليه وسلّم
عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم في بداية عمره مع والدته السيّدة آمنة بنت وهب وكان يرضع منها، ثم قرّرت إرساله إلى البادية في هذا الوقت، وكما جرت العادة إلى البادية لتقوى فصاحته ويشتدّ عوده، وهكذا اختارت السيدة حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية من بني سعد مُرضعةً له وكانت ذات فضل وعقل، وبقي الرسول صلى الله عليه وسلم عندها لمدّة عامين قامت خلال هذه الفترة برعايته وتربيته وروت من آيات النبي عليه الصلاة والسلام ما يبهر عقول السامعين، وأغناها الله ببركته في الدين والدنيا، وكان عليه السلام لا يرضع إلاّ من ثديها اليمين، وقال ابن عباس: ألهم العدل حتى في رضاعه، لأنه علم أن له شريكاً فناصفه عدلاً منه!
"وروي عن حليمة السعدية أنّه صلى الله عليه وسلّم جلس وهو ابن ثلاثة أشهر، ولعب مع الصبيان وهو ابن تسعة، وطلب مني أن يسير مع الغنم يرعى وهو ابن عشرة، وناضل الغلمان بالنبل وهو ابن خمسة عشر، وصارع الغلمان وهو ابن ثلاثين، ثم رددته إلى جده".
لمّا بلغ سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام من العمر ست سنوات توفّيت والدته السيدة آمنة بنت وهب، ورجع إلى حاضنته أم أيمن إلى مكة، وكفله جده عبد المطلب لكنه توفي بعد سنتين وكان عمر النبي عليه الصلاة والسلام ثماني سنوات، ثم كفله عمه أبو طالب المحامي عن دين الله وعن رسوله.
عمل الرسول عليه الصلاة والسلام راعٍ للأغنام وهو في مرحلة شبابه، وكان يسافر مع عمه أبو طالب إلى الشام للتجارة، تزوّج من السيدة خديجة وعمره خمسة وعشرون عاماً، ورُزق منها بأبنائه القاسم، وعبد الله، وإبراهيم، وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وعائشة، وعندما بلغ الأربعين من عمره نزل عليه الوحي في غار حراء، وأخبر زوجته خديجة رضي الله عنها وابن عمه علي بن أبي طالب بهذا الأمر فكاوا أوّل من صدّقه، وعمل على نشر دعوة الإسلام سراً ثم جهراً إلى أن انتشر الإسلام في جزيرة العرب، وبعد أن أكمل دعوته توفّي الرسول عليه الصلاة والسلام عن عمر ناهز ثلاثٍ وستّين سنة، أربعين سنة منها قبل أن يُبعث بالرسالة وثلاثاً وعشرين سنة نبياً ورسولاً.
كان الرسول صلى الله عليه وسلّم يتّصف بالأخلاق الفاضلة والحميدة، وكان يبتعد عن كلّ عمل أو قول يشين إلى سمعته، وكان عليه السلام عفيفاً متواضعاً صادقاً وأميناً، وكان عليه الصلاة والسلام شجاعاً أوفى العرب ذمة، واتصف بالكرم والحب للمساكين والفقراء، وكان صابراً على تحمّل الأذى والمكاره في سبيل نشر دعوة الإسلام.