حوار بين الشمس والقمر
منذ أن خلق الله سبحانه وتعالى الأرض وما عليها وهي تسير وفق نظام محكم ودقيق، لا فوضى فيه ولا اختلاط، كلّ يؤدّي عمله المنوط به، ولا أحد فوق النظام، فالأرض كوكب الإنسان الذي يعيش عليه، وقد خلق الله الليل والنهار لهذا الكوكب متعاقبان، فكانت الشمس تشرق بنورها في النهار ثم تغرب عند المساء ليأتي القمر منيراً عتمة الليل، ومع كل هذا لا يمكن للشمس والقمر أن يلتقيان أو يتبادلا الأدوار مُطلقاً، فقد قال الله جل علاه: (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار). وفي يوم من أيام السنة، وعند الغروب لمحت الشمس صديقها القمر قد أتى من بعيد ليهيئ نفسه لينير الليل، فحيّته ودار بينهما الحوار الآتي:
الشمس: السلام عليك أيها القمر، كيف حالك يا عزيزي؟
القمر: أهلا بك يا رمز العطاء، ويا أصل الضياء، كل الفخر لي بلقياك.
الشمس: أراك قد أتيت باكراً هذا المساء إلى كوكب الإنسان، لماذا يا ترى؟!
القمر: نعم يا عزيزتي، معك حق فأنا أجهز نفسي لدورتي الجديدة، فأنا القمر خلقني الله بعدة أطوار، حيث قال في كتابه العزيز: (والقمر قدّرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم)، وبهذا أكون في أول الشهر هلالاً، ثم أصبح بعده بقليل تربيع أول، وفي منتصف الشهر أكون بدراً، ثم أتحوّل إلى تربيع ثانٍ، وأخيراً ينتهي بي المطاف لأصبح مُحاقاً آخر كل شهر في حياتي، وعلى هذا الحال فطرني رب السماوات.
الشمس: ما أعظمك أيها القمر، تهلك نفسك في كل شهر لتضيئ للنّاس عتمة ليلهم.
القمر: ولكنك احسن وأفضل مني بكثير، فأنت من تحرق نفسها كل يوم؛ حتى يشرق الصباح على الناس، فيقومون لأعمالهم ونشاطاتهم اليومية؛ لقد تعلمت منك الكثير أيتها الكريمة المعطاءة، فأنت أصل النور والضياء لي ولكل هذا الكون، ولولا وجودك أيتها العظيمة لما كنت أنا هنا، ولكن حكمة الله اقتضت ذلك.
الشمس: نعم يا صديقي، فأنا مخلوق مطيع لربه، وكما أمرني أفعل، فأمرني سبحانه أن أشرق للناس كل يوم من جهة الشرق حتى يوم الدين، وإذا جاءت الساعة أخرج من الغرب، قد قال سبحانه في حقي: (والشمس تجري لمستقرّ لها ذلك تقدير العزيز العليم).
القمر: ولكني أتساءل أيتها الغالية، لماذا لا تشرقين للناس على مدار اليوم كله، فالإنسان بطبعه يحب النّور ويكره الظلام؟
الشمس: لأن النهار يا صديقي جعل للمعاش، والليل جعل للفراش؛ بمعنى أن الإنسان يخلد للنوم في ليله فلا يحتاج لضوئي، كما أنني لا أستطيع البقاء، لأني أغطي فقط من ضوئي نصف الأرض، وحينما أغرب في المساء أذهب للنصف الآخر من الأرض وأضيئه.
القمر: الآن فهمت، لذلك تدور الأرض حول نفسها كل يوم حتى نصل نحن الإثنان لكل الأفق، ولكن الذي لا أفهمه سبب دوران الأرض حولك يا شمسي العزيزة؟.
الشمس: تدور الأرض حولي لأن حالة الجو ليست مستقرة، فتقوم بالدوران لينتج بذلك الفصول الأربعة، فنرى الشتاء بخيره وأمطاره، ونرى الربيع بزهره وجماله، ونرى الصيف بنسيمه وحره، ونرى الخريف برياحه التي تسقط أوراق الشجر لينتج ورقاً جديداً بعد ذلك.
القمر: سبحان الخالق البارئ كل شيء عنده بمقدار وما جعل أمراً إلا لحكمة.
الشمس مقاطعة: أعذرني يا صديقي، لقد تأخرت وعلي أن أغرب الآن حتى أشرق على النصف الآخر؛ تحياتي لك أيها الصديق الوفي.
مناظرة بين الشمس والقمر
في يوم من الأيام مرت ساعات النهار الطويلة بهدوء تام، وأخذت الشمس التي تُزيّن كبد السماء بالانخفاض رويداً رويداً كأنها طفل صغير يخطو خطواته بكل هدوء نحو أمه وتحتضنه بكل حنان، ونرى نورها يخبو شيئاً فشيئاً ويختفي قرصها وراء الأفق تكتسيها حمرة جميلة في منظر يخطف الألباب، وعندما اقترب قرص الشمس من الاختفاء نهائياً ولم يتبقى منه إلا جزءاً صغيراً جُنَّ الليل، وظهر وجه القمر مبتسماً عالياً يُزيّن ظلام الليل بنوره المتلألئ كأنه سلاسل من فضّة تتواصل مع النجوم بكل تناغم ودلال، عندما أخذت الشمس تغلق عينيها التي يكسوها النعاس بكل غنج ودلال، أخذ القمر يفتح عينيه بعد نومه العميق، فانتبه للشمس وهي تغفو، وأراد أن يمازحها قبل أن تغطّ في نوم عميق، فناداها القمر بصوت شجي: أيتها الشمس، كيف تنامين ويفوتك أن تشاهدي جمالي الخلاب الذي يتغنّى به المحبين فيما بينهم؟
فانتبهت الشمس وقالت له: ومن أنت لكي أنظر اليك؟ ألا تعلم أنّي الشمس التي لا يمكن لهذه الدنيا أن تستغني عنها؟
ضحك القمر مقهقهاً قائلاًَ لها: إن كانت الدنيا لا تستغني عنك فأنا القمر الذي أنير ظلام الليل، ويهتدي بي المسافرين في اسفارهم ويستأنسون بي.
ابتسمت الشمس وقالت: إن كنت أنت تنير ظلام الليل فأنا التي أنير الدنيا كلها بضوئي الساطع وأشعتي القوية تملأ الدنيا حرارة ودفئاً.
رد عليها القمر قائلاً: نعم أنت تنيرين الدنيا لكن أنا أُزيّن ظلام الليل الدامس بنوري الفضي الذي يحب أن يراه الناس، وهناك منهم من ينسجوا من أجل جمالي أبياتاً من الشعر الجميل، ويتغنّون بجمالي عندما يجلسون ويتسامرون.
رمقته الشمس بعين ساخرة قائلة له: وهل ترى في هذا فخراً يا صاحبي؟ ألا تعلم بأنه لولاي لما استطاع كل هؤلاء البشر أن يعيشوا؟ فأنا التي أمدّهم بالدفء والحرارة في فصل الشتاء، وأنا التي أنير لهم دنياهم، وأنا التي يستمدّ منها النبات الطاقة لكي ينمو ويعيش، وأنا التي يستفيد منها الناس في كثير من النواحي والحاجات في حياتهم.
وأطردت الشمس قائلة : لا تنسى ياعزيزي أنه لولاي لما كنت لتظهر على وجه البسيطة، فأنت لا تستمد نورك إلا من نوري، وهذا الشيء يكفيني.
أطرق ووسائل القمر حزيناً، فرمقته الشمس بنظرة حنان وعطف قائلة له: لا تحزن يا أخي فأنا وأنت توأمان متلاصقان ومُكمّلان لبعضنا البعض، ولا يمكن للبشر أن يستغنوا عنّا، لأن الله عز وجلّ قد جعلنا نعمتين وأقسم بنا في كتابه الجليل قائلاً: (والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها)، وآيات كثيرة منها قوله: (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً).
فضحك القمر وقال للشمس: شكراً لك أيتها الغالية.
حوار بين الشمس والكواكب
ذات يوم وفي عمق الفضاء البعيد اجتمع عدد من كواكب المجموعة الشمسية عند الشمس وقدّموا لها شكوى بخصوص أيهم الأفضل، وبعد جدال حامي الوطيس طلبوا من الشمس أن تحكم بينهم، فقالت:
حسناً، ليصف كل منكم نفسه، ثم سنرى بعد ذلك أيكم الأفضل.
قال المشتري: أنا سأبدأ أولآ.
الشمس: ولمَ ذلك أيها المشتري؟
المشتري: لأنّي أكبر الكواكب وأضخمها حجماً، كما أنّي أُعتبر الكوكب الخامس بُعداً عنك أيتها الشمس، وأنا أكثر الكواكب لمعاناً بعد الشمس والقمر وكوكب الزُّهرة، وكذلك لأنّي أتكوّن من نواة صخرية من الحديد والسيليكين تساوي حجم الأرض، وكتلة نواتي تساوي عشرة أضعاف كتلة الأرض أيضاً.
وبعد أن أنهى المشتري حديثه اقترب زحل وقال بفخر: أما أنا فأُعتبر من اجمل وافضل الكواكب في هذا النظام الفلكي، وأنا في المرتبة الثانية في الحجم بعد كوكب المشتري.
قالت الشمس: وتعرف على ما هى الأشياء الأخرى التي تُميّزك يا زحل؟
زحل: أنا أشتهر بحزام من الكويكبات التي تُشكّل حلقة تحيط بي وتزيدني جمالاً، وأتميّز كذلك بكثافة أقل بين الكواكب، حتى إنّ كثافتي تُقدّر بأقل من الماء نفسه.
وتدخّل أورانوس مقاطعآ: حسناً، كفاك تباهياً يا زحل، حان الوقت لأتحدث أنا.
قالت الشمس: لا بأس، تحدّث يا أورانوس، تفضل.
أورانوس: أنا أيضاً كوكب جميل، لوني يميل إلى الأزرق، وأُعتبر من ضمن الكواكب الغازية الكبرى.
ثم صمت قليلاً، فقالت الشمس: ها! وماذا أيضآ يا أورانوس؟
أورانوس بحزن: لدي مشكلة وهي أنّني أدور في اتجاه معاكس لدوران الكواكب الطبيعي حولك أيتها الشمس.
وصمت من جديد، فقالت الشمس بصبر نافذ: ها! هل انتهيت يا أورانوس؟
أورانوس بشرود: لا ليس بعد، دعيني أفكر قليلاً.
وقال بعدها: نعم، فأنا لدي 21 قمراً، أهمها: كورديلا، وأوفيليا، وبيانكا، وكرييسيدا، وبورتيا، وبليندا، وتيتانيا.
ثم أنهى كلامه قائلاً: الآن انتهيت، ويمكن لنبتون أن يتحدث.
نبتون بحماس: أما أنا فاسمي الكوكب الأزرق، وأنا رابع الكواكب الضخمة، ولدي 17 قمراً أهمها تريتون، ولديّ شفق قطبي غاية في الجمال، وكذلك قمري تريتون لديه شفق مشابه، ولي أيضاً ست حلقات تدور حولي.
قال أورانوس مؤيداً: أجل يا نبتون، أنا وأنت متشابهان في التركيبات المختلفة عن المشتري وزحل.
ودون سابق إنذار تدخّل المريخ قائلاً: ماهذا، ألن أتحدث أنا اليوم، أم أن الجميع سيقولون ما لديهم وأبقى الأخير؟!
الشمس ضاحكة: لا، لن تكون الأخير أيها المريخ، هيّا! صِف لنا نفسك.
المريخ: أنا الكوكب الرابع في النظام الشمسي، وتُقدّر مساحتي بربع مساحة الأرض، لديّ قمران: أحدهما يدعى ديموس بمعنى الرعب، والآخر فوبوس بمعنى الخوف.
الشمس بفضول: ولكن عُرف عنك بأنك الكوكب الأحمر أيضاً، لماذا يا مريخ؟
المريخ : بسبب كثرة أوكسيد الحديد Fe203 في ترابي.
الزهرة باهتمام: هل صحيح أنّ لديك جبال ووديان مُمتدّة أيها المريخ؟
المريخ: أجل، وجبالي أعلى من جبال الأرض، كما أن لدي أكبر بركان في المجموعة الشمسية ويطلق عليه أوليمبس مونتر.
تقدّم عطارد وقال: أما أنا فأصغر الكواكب وأقربها إلى الشمس، سُمِّيت بهذا الإسم نسبة إلى إله التجارة الروماني، وموقعي في السماء يتغيّر بسرعة تفوق سرعة أي كوكب آخر منكم.
وافقته الشمس مضيفة: نعم يا عطارد، فأنت تدور في طريقة إهليليجية، ويستغرق دورانك حولي 88 يوماً بحساب أهل الأرض، ونظراً لقربك مني فإن درجة حرارة سطحك تبلغ 370، أما في ليلك الذي يدوم 44 يوماً فإنّ درجة الحرارة تهبط إلى 150 درجة مئوية تحت الصفر.
وهتف الزُّهرة معترضاً: وهل نسيتموني؟ ينبغي أن أتحدث أنا قبل عطارد لأنّني ثاني الكواكب قرباً إليك أيتها الشمس.
الشمس متنهدة: تحدّث يا زهرة ... تحدّث.
الزهرة: أنا الكوكب الذي يطلق عليه أهل الأرض نجم الصبح أو نجم المساء.
عطارد بدهشة: ولما ذلك يا زهرة ؟
الزهرة: لأنني لا أُشاهَد في أفق الأرض إلا قبل شروق الشمس أو غروبها بوقت قصير.
الشمس: صدقت يا زهرة، وحجمك في مثل حجم الأرض لذلك يُطلق عليك أخت الأرض.
الزهرة: هذا صحيح، ولأنني أشبه الأرض أيضاً بالبراكين، والزلازل، والجبال، والوديان، ولكن هناك اختلاف بيني وبين الأرض.
الشمس: وما هو؟
الزهرة: أن جوّي حار جداً لقربي منك، ولا تصلح الحياة فوق سطحي، كما أنه لا يوجد قمر تابع لي.
وأخيرآ تقدم كوكب الأرض وقال بلباقة: والآن هل تسمحون لي بالحديث؟
الشمس للأرض مُشجّعة: بالطبع يمكنك الكلام أيتها الأرض.
الأرض: لعلكم جميعاً تملكون ميّزات جميلة ورائعة، ولكني مع ذلك أفضلكم بميّزة لا يملكها أحد منكم.
الشمس: وما ميزتك هذه يا أرض؟
الأرض: أنا لديّ أجواء وتضاريس تساعد على الحياة، لذلك يعيش على سطحي الكثير من الكائنات الحية.
الشمس: هذا حق، وفعلاً هذه ميّزة لا يملكها أحد منا.
الأرض مضيفاً: وأنا أيضاً أُعدّ أكبر الكواكب الأرضية الأربعة في المجموعة الشمسية، كما أنّني الوحيد الذي يرى كسوف الشّمس، ولدي قمر وهو البدر، ويحتوي مناخي على الأوكسجين والنيتروجين والأرجون.
ثم زفرت الأرض قائلة: هذا كل شيء، لقد انتهيت من الحديث.
قالت الشمس مبتسمة: والآن جاء الوقت لنفضّ هذا النزاع، هل توافقون جميعاً على اختياري أفضلكم؟
صاحت الكواكب بفرح: بالطبع نوافق.
قالت الشمس: أنا أرى أن كوكب الأرض هو أفضلكم، لأنه كوكب حيوي وتعيش به الكثير من المخلوقات الجميلة.
وهتفت الكواكب بسعادة، وتحلّقت حول كوكب الأرض كل يهنئه لأنّه كان الأفضل.
حوار بين القمر والنجمة
جاء المساءُ مصطحباً ليلتَهُ المقمرة، واختفت النجومُ حياءً عندما أطل البدرُ مزهواً بنوره، ذلك النورُ الذي طغى على ضيائهن، فآثرت أن تعتكفَ بعيداً عن عيونِ الناظرين مترقبةً رحيلَهُ علّها تعودُ لتتناثر على صفحةِ السماء. قاطعها القمرُ بقوله: إنها ليلتي فارحَلْن فهناك من ينتظرني ليبوح لي بأسراره.
اقتربت منه نجمةٌ على إستحياء لتسترقَ السمع بما يبوحُ به الليليون.
فاجأها القمرُ بسؤاله: ما بالُك يا نجمة تقفين خلف كتفي؟ اقتربي ولا تختبئي حياءً، فأنا أعلم بوجودك وأعرف أنكِ تفعلين هذا مراراً وتكراراً منذ سنين.
قالت النجمة: كنتُ تعلم دون أن تلتفت إليّ! أولم يضايقك فعلي هذا.
رد عليها القمر: لا ضير في ذلك يا عزيزتي فالسماء الواسعة وطنُنا، وأنا أعلم أنّ هناك أيضاً من يناجيك وأخواتكِ في الليالي الظلماء عندما أكون من الآفلين، أعلمُ أن الليليِّين يبوحون لكُنّ بالأسرار كما يبوحون لي بأسرارهم وهموم ليلهم ونهارهم، لا يضايقني وجودكِ حتى إن استرقتِ بوحَهم لي، فأنا أدري أنكِ أيضاً خير كاتمٍ لأسرار ومناجاة من سميناهم بالليليِّين.
قالت النجمة: أعذرني يا قمر فما تطفّلي إلا غيرةً منك، فأنا أغبطك لكثرة من يناجونك، فأنت يا بدرُ صاحب الوجه البهي والنور الذي يأسر ناظرِيه.
قال القمر: يا نجمة السماء، ما نوري الذي ذكرتِ إلا هديةً من ضياءِ أختك الشمس، وما أنا إلا قزمٌ مقارنةً بكِ وبأخواتِكِ.
قالت النجمة: حتى وإن فُقناك حجماً، فالناظرون يرونك أكبر لأنك أقرب إليهم، ومن كان أقرب إلى العين كان أقرب إلى القلب.
قال القمر: لا تتحاملي على أحد ولا تأخذكِ الغيرة، واعلمي أنني وحيد، أمّا أنت وأخواتك فتغطّين السماء من الأفق إلى الأفق، واعلمي أن مُحبّينكن كُثر.
قالت النجمة: لا زلتُ أحس بالغيرة فمن يحبّوك أكثر، فحدثني عن بعضٍ منهم.
قال القمر: يا عزيزتي لا تنسي أنني أرجعتُ الفضل إلى أختك الشمس، فانزعي عنك هذه الغيرة.
قالت النجمة: أعتذر إليك أيها القمر وأعاهدك أن أنزع عني سواد الغيرة.
قال القمر: بوركت يا نُجيمتي، سأجيبك على سؤالك، أجل إن مُحبيّ كُثر ولكن أحَبُّهم إلي من ينظر إلى وجهي فيأسره نوري فيناجيني (سبحان من خلقك، سبحان من فطر السموات والأرض، سبحان من جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً، سبحانه من قال: (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) )، هناك أيضاً من ينظر إلى وجهي فيوصيني أن أُبلّغ سلامه إلى من يُحب، توصيني أمٌ أن أكون رفيق ولدها في غربته، ويحمّلني آخر سلاماً إلى والديه وأخوته وأصحابه، وتوصيني امرأةٌ أن أكون رقيباً على زوجها في غيبته، ولكن يخجلني أن يشبهني أحدهم بمن يُحب فيصوغ الأشعار في وصفي.
قالت النجمة: إذن فأنت مرسال المحبين.
قال القمر: في أغلب الأحيان، ولكن هناك من ينظر في وجهي فلا يرى إلا الجبال الجرداء والحجارة الصماء.
ضحكت النجمة وابتسم القمر قائلاً: أجل إن شر البلية ما يضحك، ولكن ماذا عنكِ أنتِ؟
قالت النجمة: الحمد لله هناك الكثير ممّن يتفكرون في خلق الله وقدرته عندما يروننا وهم يطالعون السماء، ومنهم من يتّخذنا، قال تعالى: (عَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ). أما المحبون فيتّخذوننا وسيلة ليحصوا عدد الأيام التي انقضت منذ أن فارقوا أحبتهم، أو ما تبقى حتى يلتقي آخرون.
سألت النجمة: ما يحزنك يا قمر؟
قال القمر: يحزنني أن يتّخذني أشرار الليل مصباحاً ينير سهراتهم الماجنة التي تغضب الله عز و جل، أو يستغل زوّارُ الليل المُتسلّلون غيابي لينفذوا أعمالهم الدنيئة في سلب أموال الآمنين وتنغيص نومهم.
قالت النجمة: أما أنا فأعتب على كثير من بني البشر لأنهم أطلقوا عليّ اسم (نجمة) مع أن الأصح أن ينادوني بـ(النجم).
قال القمر: لمَ العتب يا نجمة؟ أووه أعتذر أقصد نجم، ربما أطلقوا عليك هذا الاسم ملاطفةً منهم لك.
قال النجم (النجمة سابقاً): لا عتب بيننا، ولا غيرة، أردت فقط أن أتعرّف على القمر الذي أيمع به ولا أراه.
قال القمر: شكراً لك، لابدّ أن نلتقي مرة أخرى. أستودعك الآن.
قال النجم: إلى اللقاء.