جعل الله سبحانه وتعالى المسجد لتقام فيه الصّلوات وليُعبد الرّحمن فيه ، فهو المكان الجامع للمسلمين على اختلاف أعراقهم وألوانهم فهم فيه سواء ، يصطفّون صفاً واحداً متناسقاً تجمعهم محبّة الرّحمن وتحفّهم الملائكة وتظلّهم بأجنحتها .
وإنّ أول مسجدٍ بني على الأرض هو المسجد الحرام وفضل الصّلاة فيه ليست كغيره من المساجد فهي بمائة ألف صلاة تعظيماً لشأنه ، وقد حماه الله تعالى حين جاء أبرهة الحبشيّ لغزو الكعبة وانتهاك حرمتها فأرسل عليه وعلى جنده طيراً أبابيل تقذفهم بالحجارة من السّماء فأصبحوا كالعصف المأكول لا ترى إلا آثارهم ، ثم بُني بعد المسجد الحرام المسجد الأقصى بعد أربعين سنة كما صحّ الحديث عن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ولا يخفى على أحد فضل المسجد الأقصى وأنّه من المساجد التي تشدّ الرّحال إليها .
و قد أُمر المسلمون باحترام مساجدهم فهي بيوت ربهم سبحانه ، فيه يجتمعون لعبادة الرّحمن وتلاوة القرآن ، فعلى كلّ مسلم أن يأخذ زينته ويتطهّر ويلبس أحسن ما عنده عند ذهابه الى المسجد فهو سيقف أمام ربّه فينبغي أن يكون في أحسن صورة وهيئة .
والمساجد منها ما يبنى على تقوى الله ورضوانه وهي المساجد الخالصة لله فلا يدعى فيها لغيره ، قال تعالى " وأنّ المساجد لله ، فلا تدعو مع الله أحداً " ، ومنها ما يبنى على غير ذلك كأن يبنى على رياءٍ وسمعةٍ أو للتفريق بين المسلمين وشقّ صفوفهم ، وقد تكلّم الله في كتابه العزيز عن مسجد الضّرار الذي بناه المنافقون إرصاداً لزعيمهم الذي حارب الله ورسوله واسمه " أبو عامر الرّاهب " وكان غايتهم من بنائه التّفريق بين المسلمين وشقّ صفوفهم وطلبوا من الرّسول صلّى الله عليه وسلّم الصّلاة فيه فاعتذر حتّى يخرج الى معركة تبوك ، ولمّا قفل راجعاً أوحى الله له بأمر مسجد الضّرار فأمر أصحابه بهدمه فردّ الله المنافقين بغيظهم ولم ينالوا شيئاً وحمى الله دينه فمسجد الضّرار هو اسم لكل مسجدٍ تحقّقت فيه المضرّة للدين والمسلمين ، قال تعالى " وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ . لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ " صدق الله العظيم .