لما جاء الدين الإسلامي منظمة لحياة الفرد والجماعة، لما فيه من تشريعات وأحكام تهدف إلى تحقيق السعادة البشرية في الدنيا والآخرة، وشددت على ضرورة الأخذ بمقتضاها وإرسائها على الوجه الأمثل، فسعادة الإنسان بعبادة الله وتحقيق مُبتغاه من خلق الكون، وهو الخلافة المتمثلة بإقامة الدين القويم، حتى يرقى العبد المسلم إلى اعلي درجات السعادة، لذا فان تطبيق مثل هذا المبدأ، ينطوي على ما يُعرف بالشريعة الإسلامية والتي هي مجمل ما شرعه الله من أخلاق وعبادات وعقائد ومعاملات لتنظيم حياة المسلمين، وذلك لتنظيم علاقة بين العبد وربه وعلاقته بمجتمعه، وتحقيق سعادته في الدنيا والآخرة، فالإنسان الذي يكون على شريعة الله، يستطيع تحقيق هذه الكليات او معظمها، مهما كانت انتمائه أو هويته، فالله سبحانه وتعالى، لا يحاسب العبد سوا على أعماله، كما يشمل مصطلح الشريعة الإسلامية لكل شيء ايجابي مألوف يبذل لتحقيق الخير وحجب الشر، وهي ذات دلالة موسوعة، تشير لكل إنسان يستثمر مكوناتها في عمارة الأرض ولصالح حياة الإنسان وكرامته واستقراره المتأصلين من منهج العبودية لله وحده، ولا يقتصر بها المطاف على هذا، بل تتسع لتشمل كل من يرقى بأمته من تقدم علمي لتحقيق الرقي الحضاري المنشود.
والشريعة الإسلامية مصطلح يشير لكل جهد بشري مبذول لتنظيم شؤون الناس وأحوالهم وبناء ركائز المجتمعات، وتحقيق أمال الأجيال الواعدة وإدارة مصالح الأفراد والجماعات، والشريعة الإسلامية لا تقلل من جهود الآخرين وقدراتهم أو ارتقائهم لأعلى مستوى في بناء المجتمع، ولا تعتبر تقليل أيضا من شأن جهودهم، بل تشجع الآخرين وتتعاون معهم وتبارك جهودهم وتشحذ هممهم في كافة الجوانب من عمل صالح يحقق الخير والسلام والاستقرار للمجتمعات، وتدعو الشريعة الإسلامية أيضا إلى أي عمل يكفل تحقيق نقلة بشرية جماعية تحقق مهمة التكليف الرباني، ليس لعمارة الأرض فحسب بل لعمارة الكون بأكمله لتوطيد حياة كريمة عادلة.
ويقول الدكتور حامد الرفاعي صاحب كتاب "شركاء لا أوصياء" معرفاً الشريعة الإسلامية على أنها تنظيم لكافة شؤون الحياة وإدارة مصالح الناس وتوطيد العدل بينهم، وهذا يتفق مع نسق الإسلام الداعي لعمارة الأرض وإقامة العدل، وباختصار إن الشريعة السلامية هي إقامة الحياة وتلبية مصالح البشر وهذا هو أساس شريعة الله، وقد وضع علماء الإسلام وفقهاء الشريعة الإسلامية قاعدة هامة تقول "حيثما تكون المصلحة فثم شرع الله"، أي أن تطبيق الشريعة من أحكام وأمور تحقق مصلحة الإنسان نفسه، وتتعدد مصالح الإنسان لتشمل: الأمن العقلي والأمن الديني والأمن الصحي والأمن الأخلاقي والاجتماعي، وتحقيق مثل هذه الجوانب يعني تحقيق مهام الشريعة ومقاصدها الحميدة.