هدى الله سبحانه و تعالى البشر لما فيه خيرهم و صلاحهم في الدّنيا و الآخرة فلم يتركهم هملاً بل خلقهم على الفطرة السّليمة الواضحة فجاءتهم الشّياطين فاجتالتهم عن دينهم و انحرفت بهم عن منهج التّوحيد فأرسل الله سبحانه و تعالى رسله مبشّرين و منذرين و مرشدين للبشر إلى طريق الهداية ، أنزل الله معهم شريعته فكانت نبراساً يهدي الأمم و نوراً يهتدي في ضوئه الموحّدون فيستبينوا الطّريق فلا يضلوا أبداً ، فالهداية من الله تكون ابتداءاً بخلق الإنسان بأحسن صورةٍ و تقدير رزقه و معاشه ، فالإنسان يولد على فطرة الهداية كما صحّ في الحديث أنّ كلّ مولودٍ يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه ، فكلّ ابن آدم مجبولٌ بفطرته على أن له خالقاً يوحده ، و لكن هذه الهداية لا تكتمل إلاّ ببيان الطّريق و المنهج الرّباني الصّحيح و هو ما جاء به الأنبياء من شريعةٍ محكمةٍ و توجيهاتٍ ربانيةٍ تدلّ على الطّريق المستقيم ، قال تعالى في حق رسوله الكريم عليه الصّلاة و السّلام ( و إنّك لتهدي إلى صراطٍ مستقيم ) .
و هناك نوعٌ آخر من الهداية و هي ما اصطلح على تسميته الهداية التوفيقيّة ، و هي أنّ الله يهدي من يشاء من عباده إلى طريق الالتزام و الصّلاح ، فقد خاطب الله تعالى نبيّه فقال عزّ من قائل ( إنّك لا تهدي من أحببت و لكنّ الله يهدي من يشاء ) ، فبعد أن بيّن الله طريق الخير و ما يترتب عليه من الفلاح و الفوز برضوانه و الجنّة ، بيّن طريق الشّر و ما يترتّب على من سلكه من نيل غضب الله و النّار ، قال تعالى ( و هديناه النّجدين ) ، فطريق الحق واضحٌ جلي و طريق الباطل كذلك .
و هناك نوعٌ أخيرٌ من الهداية و هي الهداية التي تحصل في الآخرة للمؤمنين الذين كتب الله لهم الجنّة فعرّفها لهم و في الحديث أنّ المؤمن و عند دخوله الجنّة تكون معرفته بمنازله تساوي أو أكثر معرفته بمنازله في الدّنيا ، و يعطي الله المؤمنين نورا يسعى بين أيديهم جزاءاً لهم و شكوراً ، قال تعالى ( و يدخلهم الجنّة عرّفها لهم ) ، و قال تعالى ( يوم ترى المؤمنين و المؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم ..) صدق الله العظيم .