الشاعر كعب بن زهير: هو ابن الشاعر زهير بن أبي سلمى. يعتبر هذا الشاعر من الشعراء المخضرمين، أي أنه عاصر حقبتين مختلفتين، حقبة الجاهلية، وحقبة الدعوة الإسلامية، ورث الشعر عن والده، عرف واشتهر بشعره في فترة الجاهلية، وحين جاء الإسلام نظم قصيدة يمدح فيها نبي الإسلام محمد معتذراً فيها عما بدر منه، فقال في مطلعها: "بانت سعاد فقلبي اليوم متبول"، وسبب ذلك أن أخوه بجير لحق بركب الذين آمنوا بمحمد، وصبئوا عن دين آبائهم، فما كان منه إلا أن هجا بجيراً، ومن شدة حنقه على فعلته هجا الرسول أيضاً.
كان إثر ذلك نتيجة وخيمة، وهي إهدار دمه من قبل النبي، ولم يكتف كعب بذلك، بل وأقبل يذم في نساء المسلمين، أدرك كعب فداحة فعلته، فتنكر وقدم إلى النبي سائلاً إياه الصفح والعفو، فما كان من نبي الله إلا أن أعطاه ما أراد، وكشف عن غطائه الذي كان يسمى آنذاك بالبردة، فنظم قصيدة شهيرة في مدح النبي عرفت ببردة كعب بن زهير.
يعتبر كعب من عائلة شعرية، توارث وأورث هذه المقدرة، تتلمذ علي يد أبيه زهير بن أبي سلمى، الذي منعه من النظم في صغره ،خشية أن يلحق التشويه والإساءة لاسم عائلته المرموقة شعرياً، إلى أن صار له مكانته الخاصة في الشعر، كان نتاج إسلامه تأثر شعره بالمبادئ الإسلامية، وتغير اللهجة الشعرية لديه، فأصبح يحتكم إلى القرآن قبل نظمه للشعر، وغلبت على شعره افكار كالوحدانية والألوهية.
أكثر من أُعجب به هو أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب، الذي كان يتميز عنده عن باقي الشعراء، لكعب بن زهير ديوان يشتمل على أغلب الأشعار التي نظمها، أما فيما يتعلق بالمواضيع التي كان يتناولها في شعره فهي كثيرة متنوعة، تشابه كافة الأغراض الشعرية التي عرفت في عصر الجاهلية كالغزل، والمدح، والفخر، والهجاء، والرثاء، والحكمة، والوقوف على الأطلال.
يتضح الفرق في شعره الذي نظمه في الجاهلية والشعر الذي نظمه بعد إسلامه، فاختلفت التشبيهات والتراكيب والألفاظ التي كان يستخدمها والتشبيهات الشعرية، أصبحت لغته أكثر بساطة، ولطافة المعاني، ونضوج الجانب الفكري، وغلبة غرض الحكمة في شعره، ساهم إسلامه في حكمته، التي اتسعت بعد إدراكه بموجب الإيمان بقضاء الله وقدره، وأن مهما يصيب العبد من أمر فيجب أن يرضى بحكم الله، وألا ييأس من رحمته، فالله هو الرازق المانح المعطي الكريم.
يرجع السبب في بلاغة كعب هو نصائح والده زهير بن أبي سلمى وأخيه بجير، حيث كانا يبتادلا الرسائل بشكل أشعار فيما بينهم، أما والده فكان يعدّل عليه شعره، ويحكّم نظمه فيما يراه كشاعر مرموق.
في الختام، كعب بن زهير من الشعراء الذين تركوا بصمة واضحة في الشعر العربي، سواء في حقبة الجاهلية أو الإسلام، تواترت أشعاره وحفظت حتى يومنا هذا، فلله دره ودر أبيه.