خُلق الإنسان للصلاح
خُلق الإنسان ليستقيم على طريق الصلاح والهداية، فصلاح الإنسان هو غايته وهو هدفه وهو الضوء الموجود في نهاية النفق الذي يسير فيه هذا الإنسان، لهذا وجب على كل الناس غير الملتاثين الأسوياء الذين لم تغيرهم الأحوال ولا الظروف يجب أن يكونوا دائمي السعي نحو الصلاح ونحو الاستقامة، لأنّ الخلاص وليس الخلاص هنا خلاص الفرد وحده وإنتعرف ما هو خلاص البشرية والإنسانية جمعاء، خلاصها من الظلم والجور والقتل والخراب والسعي في الأرض فساداً، فلو أن كل إنسان آمن وأعتقد أنّه خلق ليكون فرداً صالحاً يفيد مجتمعه ويفيد بلده ويفيد الأرض كلها فإنه لن يكون هناك مكان للشر، وفي الحقيقة فغالبية الناس هم ممن يسعون إلى صلاح أنفسهم، ومن هنا فالخير في الناس موجود وباقٍ والشر زائل وآني حتى لو كان كبيراً ومهيمناً في لحظة من اللحظات إلا أن النهاية الحتمية ستكون نهاية خيرة جميلة، هذه هي إرادة الله تعالى، فالله تعالى مصدر كل خير يصيبنا وبما أنه هو المهيمن فالخير أيضاً يكون مهيمناً لهذا فإن أردنا مقارنة الخير بالشرّ وكانت هذه المقارنة منطقية واقعية فإنّ النتيجة الحتمية ستقول لنا وتخبرنا أن حجم الشر الموجود سواء في الوقت الحالي أم في العصور المنصرمة الغابرة لا يذكر إذا ما قارناه بالخير الكثير، ولكن ولأن أغلب الناس هم غير معتادين على النظر من خارج الصندوق ورؤية الأمور بشكل عام ومن فوق وقابعون في تفاصيل التفاصيل لا يبرحونها، فهم غير قادرين على الوصول إلى هذه القناعة ورؤية هذا الأمر الجميل واللافت فعلاً.
الصلاح في الأخوة
لا يوجد فرق ما بين إنسان وآخر، فكلّنا من تراب مهما اختلفت محدداتنا وأشكالنا وأصنافنا وأنواعنا وألواننا وأجناسنا وأعراقنا وأي أمر فينا، فنحن بالنهاية أخوة، أبونا واحد وأمنا واحدة، وكلنا فروع من أصل واحد، فلا فرق بين أحدنا والآخر على الإطلاق وحسابنا على أعمالنا يكون بيد الله سبحانه وتعالى فقط، وليس بيد أي أحد آخر، ونحن لا نتعامل إلا بهذا المنطق فقط وليس بأي منطق آخر مهما كان، لذا ومن هنا فإن أي شخص سيصدر عن منطق وفكر كهذا، فإنه سيحسب ألف حساب قبل أن يقوم بارتكاب أي شيء اتجاه الفرد الآخر أو من يقابله من الناس، لأنه يعتقد ويؤمن فعلاً أن هذا الفرد هو أخوه، وأخوة الإنسان مع الإنسان الآخر ليست كلاماً اعتباطياً بل هي حقيقة مثبتة، فالبشر جميعهم أخوة حقيقيون مهما كانت محدداتهم وأشكالهم وألوانهم وأعراقهم وألسنهم وأيُّ شيء فيهم، فهم أخوة هكذا أرادنا الله تعالى أن نكون فالدم في شراييننا كلنا هو دم واحد. وما اجمل وافضل أن يتحلى الناس جميعهم بمثل هذا المنطق الأخاذ، ولنتخيل أن هذا الأمر حصل، سيبقى بعد ذلك جرائم، وهل سيكون هناك أي وجود لإنسان غير صالح؟
ولكن وللأسف الشديد قدرات الناس متفاوتة بين بعضهم البعض وليست على نفس المستوى أو نفس القدر، مما يجعل ذلك الأمر صعباً على نسبة كبيرة جداً من الناس، فلن يستطيع كل الناس أن يشعروا بعاطفة الأخوة مع كل أجناس البشر، فمنهم مثلاً من لن يرضى أن يشعر أنه أخ لإنسان سارق، أو أنه أخ لإنسان سلك طريقاً غير قويم، أو أنه أخ لإنسان ربما يخالفه في الملة والعقيدة وهذا واضح وبشكل كبير في مجتمعاتنا الإسلامية للأسف الشديد والتي تعاني من انغلاقية رهيبة وعظيمة لم يحصل لها مثيل من قبل – للأسف الشديد -، أو أن يشعر أنّه أخ لقاتل ابنه أو أبيه، أو أنه لن ولن ولن ...، ومن هنا فإحساس الإنسان بتدني مستوى بعض الفئات في المجتمع وهيمنة هذه المشاعر عليه، وعدم إحساسه بالتعاطف إزاء من جارت عليهم الظروف وتخلى القدر الجميل عنهم، قد يولد تبلداً في المشاعر، وتبلد المشاعر هو بداية الانحراف والبعد عن طريق الصلاح.
صلاح الإنسان يكون بعد علمه بغايته
الإنسان الذي لا يعلم الغاية التي خلقه الله تعالى لأجلها لن يكون إنساناً صالحاً لأنه قطعاً إنسان يسير على غير هدى، فهو قد يفعل أيّ شيء في حياته لأنّه لا يعلم السبب الحقيقي الذي جعله إنساناً، ولأنه لا يعلم السبب الحقيقي الذي خلقه الله تعالى لأجله، فالسبب الحقيقي الذي خلق الإنسان لأجله هو ليكون خليفة الله تعالى في الأرض، وحتى يعمر الأرض ويساعد الناس بعضهم البعض ويهتدون على الله تعالى من تلقاء أنفسهم ويعبدوه، ويستغلّوا الطاقات الكامنة التي ميزهم الله تعالى بها عن غيرهم من المخلوقات، فلا وجود لأي مخلوق حتى ولو كان هذا المخلوق هو الملك الكريم احسن وأفضل من الإنسان فجميع الملائكة والمخلوقات سجدوا للإنسان تكريماً له، فلا وجود لأي مخلوق مخير كما الإنسان ولا وجود لأي مخلوق ينضوي على أسئلة تحيره وتؤرقه وتمنعه من النوم كما الإنسان ولا وجود أيضاً لأي مخلوق يمتلك القدرة على التفكير والابتكار كما الإنسان. عندما نوقن هذه الحقائق سنعلم عندها قيمة الإنسان الحقيقية التي منحها الله تعالى للإنسان.
فكل هذه المنح والعطايا والهبات الإلهية لبني البشر لا يمكن أن تكون بلا أية فائدة تذكر ولا يمكن أن تكون عبثاً بل إنها قد وجدت ومنحت للإنسان حتى يستغلها احسن وأفضل استغلال وحتى يعلم قيمته الحقيقية، وعندما يعي الإنسان هذه الحقائق سيكون حتماً فرداً صالحاً.
الصلاح هو منهج الرسل والعظماء وديدنهم وراسلتهم
ربما لا يستطيع الإنسان في بعض الأحيان من أن يسلك طريق الخير والصلاح وحده، بل يحتاج في الكثير من الأوقات والأحوال إلى وجود دليل وقدوة يهتدي بها إن ضل السبيل، كما ويحتاج أيضاً إلى نموذج عالٍ وسامٍ ومترفع عن كل النواقص والتناقضات التي تقلل من قيمة الإنسان خاصة إن كانت هي المسيطرة عليه، لهذا فلا وجود لأحد احسن وأفضل من نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وإدريس ويوسف ويعقوب وإسحاق وإسماعيل وزكريا ويحيى وسليمان وداوود وأيوب ويونس وغيرهم العديد من الأنبياء والرسل، وهم بذلك قدوات لنا، جعلهم الله تعالى ضياءً لنا في العتمة، نستذكر أمجادهم وصفاتهم وخصالهم ونعلم من خلالهم حقيقة الإنسان ولماذا خلق الله تعالى الإنسان، وكيف يجب أن يتعامل الناس مع بعضهم البعض، وتعرف على ما هى غاية الله تعالى مجده في كونه وفي خلقه للإنسان، فدور الإنسان في هذه الأرض يتضح بصورة ولا أروع من خلال النظر في أحوال الأنبياء والرسل وما كانوا يطمحون إليه من أمور. وبمجرد التيقن من هذه الحقائق، يكون الإنسان قد وضع قدمه على طريق الصلاح والخير وما عليه فقط إلا أن يتابع الطريق الذي سلكه هؤلاء العظام. وأيضاً ومما يساعد الإنسان على أن يضع قدمه على طريق الخير والصلاح والهداية والنفع للبشرية هو أن بقتدي بالعظماء الذين مروا في التاريخ الإنساني فهم أيضاً لهم إسهاماتهم ولو كانت بفرق شاسع يصب في صالح الأنبياء والرسل، إلا أنهم أيضاً شخصيات لها اعتبارها ولا يمكن إفال دورها الإنساني الكبير والعظيم وكل واحد منهم في مجاله الذي اشتهر فيه.
أن يكون الإنسان صالحاً معناه أن يكون الإنسان مصدر خير ونور ورحمة وحب عليه وعلى كل من حوله.