تعد النفس البشرية من أعقد العلوم التي بحثها الإنسان الحديث؛ لأن جميع المعطيات فيها متغيرة باستمرار بتغير الحالة التي يكون فيها الإنسان، فظهرت العديد من المدارس النفسية في أوروبا والعديد منها سبقها عند العرب المسلمين، ومن أهم ما يجب التنويه عليه في جميع تلك المدارس أن هدفها فقط الالبحث عن وسائل تطوير النفس البشرية فتضع تقييمات تقوم على البحث في عينات عشوائية من الناس، أي أن نسبة دقتها تكون قليلةً جدًا وضعيفة.
ولكن علم النفس البحث يمتاز بالضعف؛ لعدم قدرة أي باحث حتى الآن على إعطاء نظرية شمولية لكل النفوس البشرية التي مرت وانقضت ومن تعيش الآن ومن هي قادمة، فالمعطيات ستظل في حالة تغير باستمرار، ولكن هناك تطبيق من تطبيقات علم النفس وهو الإرشاد النفسي وهذا في الحقيقية يعطي نتائج دقيقة إلى حد ما كبير؛ لأنه يتعامل مع الفرد لا المجموع، فاستقراء المتغيرات في اللحظة التي يصف فيها المحتاج إلى الإرشاد تكون مضبوطة وقريبة التحليل والنظر فيها وإعطاء نتائج أقرب ما تكون إلى الدقة المتاحة لصاحب الرأي في ذلك الموقف، ولكن تطبيق الإرشاد النفسي النابع من مدارس علم النفس المختلفة ما زال يفتقر دائمًا وأبدًا إلى الوضوح في مجالاته وتشعبه باستمرار يكاد ما يكون دائمًا.
ذلك أن مجالات الإرشاد النفسي تختلف باختلاف الفئة المستهدفة من الإرشاد، وهنا تحدث نفس الفجوة الموجودة في علم النفس الأصلي، مما اضطر الباحثين إلى تخصيص الفئات على العمل النفسي، ومجالات الإرشاد النفسي تتفرع إلى إرشاد الأطفال، والمراهقين والشباب البالغين، وذوي الاحتياجات الخاصة، والموظفين والمهنيين، والمتزوجين.
في جميع المجالات التي ذكرتها في السابق تتنوع الاهتمامات بشكل كبير، وذلك ما دفعني للقول بأهمية وفائدة التخصص في كل مجال، فعلى سبيل المثال تقديم الإرشاد النفسي للأطفال ستتركز بشكل أساسي في مشكلات التغذية لدى الطفل كذلك بعض المشكلات العاداتية مثل: مص الأصابع أو القضم أو العض أو البصاق على الناس وهكذا، ما لا نجده إطلاقًا لدى فئة المراهقين والشباب البالغين التي تكون جل اهتمامات الإرشاد في حالتهم هي المشكلات النفسية والاجتماعية حتى تتنوع محاورها إلى دفع الثقة بالمراهق ودفعه لتجاوز مرحلة إحباط المراهقة والمشاعر المتقلبة، كذلك النتائج النفسية الناتجة عن التغيرات الفسيولوجية في الجسد سواء كانت لدى الذكور أو الإناث، أيضًا بعض المشاكل وعيوب الاجتماعية كعدم القدرة على تكوين الصداقات أو التأقلم مع المجتمع أو العنف المتزايد وهلم جرًا، أما لدى فئة ذوي الاحتياجات الخاصة فإن الأمر يتغير كليًا إلى اهتمامات تختلف تمامًا عن اهتمامات الأطفال أو المراهقين والتي تكون في تقديم الإرشاد لهم بتحسين العضو الذي يعاني منه الشخص كمعالجة اللغة لدى الصم أو القراءة لدى كفيفي البصر أو الحركة والمساعدة لمصابي الشلل وهكذا، أما فئة الموظفين والمهنيين فإنّه لا يحتاج أي مما ذكر سابقًا ويتركز اهتمام الإرشاد هنا في تعريفهم بقدراتهم وتحفيز أهدافهم وطموحاتهم في الحياة لاختيار المهنة المناسبة لكل واحد منهم، أمّا في مرحلة الزواج فإن الإرشاد يتركز في الحاجة إلى الدعم بالنصح في المشكلات الزوجية الطارئة أو التعليم لمنع الأضرار قبل الزواج والإرشاد لتقليل الفجوة العاطفية بين الشريكين وعلى هذا المنوال.
فيما سبق لوحظ الاختلاف الشاسع بين كل مجال مما يدفع إلى الحاجة للتخصصية في كثير من الأحيان في هذا العمل.