لا يستطيع الإنسان أن يعيش بدون القيم التي تزيد من ترابطه مع أخيه الإنسان والتي تنظم علاقاته بمحيطه، حيث تضع القيم الضوابط والحدود التي لا يجوز تجاوزها في العلاقات الخاصة والعامة، مما يحفظ الحب والمودة والاحترام بين البشر، فالأخلاق منبعها التربية والمحيط وطريقة التفكير والأديان وقبل كل هذا وذاك النفس هي منبع الأخلاق الأول، فقد يكون الإنسان شاذاً عن مجتمعه غير متدين ونشأ في بيئة فاسدة، ولكنه في المحصلة نفساً صالحة، ذو أخلاق عالية، ومن هنا فالأخلاق تقوم من الداخل ووتتأثر من الخارج، ولكن الخارج لا يستطيع تغييرها جذرياً إذا كان الداخل لا يريد ذلك. تتنوع الأخلاق الحميدة التي تنضوي عليها النفس البشرية، فمنها الصدق والأمانة والإخلاص وعدم الخيانة أو الغدر والتواضع والنزاهة ومساعدة الغير وغيرها العديد من الأخلاق الحميدة.
من ضمن الأخلاق الحميدة خلق الوفاء، والذي يعني حفظ المعروف والجميل وعدم التنكر لهما، فهذا الخلق يبث المحبة بين الناس، فإذا أسدى شخص لشخص معروفاً وخصوصاً في وقت حاجته لذلك، وحفظ هذا الشخص هذا الجميل ولو بعد حين ورده لصاحبه وظل دائماً يتذكره وفي باله، زاد هذا الفعل من تعظيم الشخص الذي أسدى هذا المعروف للشخص الوفي، تماماً كما زاد تعظيم الشخص صاحب الحاجة للشخص الذي ساعده ووقف إلى جواره في وقت حاجته. الوفاء أيضاً يضمن دوام واستمرارية مساعدة الناس لبعضهم البعض، كل حسب استطاعته فلا يكلف الله النفس إلا وسعها، افلقير عندما يتبرع برغيف خبز لشخص محتاج، هو تماماً كالغني الذي يتبرع بالملايين، لأن هذا الرغيف بالنسبة للفقير قد يكون في بعض الأحيان غذائه الذي سيسد به رمقه خلال يومين وربما ثلاثة، ومن هنا فحفظ الجميل والوفاء ضروريان لضرورة خدمة الناس لبعضهم البعض ومساعدتهم لعضهم البعض عند الحاجة لذلك.
ويزيد جمال الوفاء عندما يتعدى هذا المعنى المستوى الفردي على مستوى الأشخاص إلى المستوى الجماعي والدولي، خصوصاً في زمان كزماننا هذا الذي نعيش فيه والذي زادت فيه نسبة الكوارث البشرية، وزادت الحروب وصار القتل السمة العامة التي تتصدر المشاهد الدولية، ومن هنا فحفظ الدول للمعروف بين بعضهم البعض يساعد في التخفيف وانقاص من حدة الكوارث والنكبات التي حلت بهم وأصابتهم.
ينضوي الوفاء على معانٍ أخرى، كالوفاء بالعهد وحفظ المواثيق، وهذه المعاني هي الضامن الأول لحفظ الحقوق وعدم تضييعها لسبب أو لآخر، وهي الضامن أيضاً لازدياد الصدق وانتشاره بين الناس، فما أجمله من مجتمع تنتشر فيه مثل هذه الصفات.