كثيراً ما نقرأ بين الحين و الآخر أخباراً تتناولها وسائل الإعلام المختلفة عن حالات إيذاءٍ و تحرشٍ تقوم بها فئاتٌ و مجموعاتٌ ضد أناسٍ مسالمين ، و على الرّغم من أنّ الإنسان مفطورٌ على حبّ الخير للنّاس و التّعاون معهم بصورةٍ حسنةٍ إلا أنّ هناك عوامل تسهم في تغيير نفسيّة بعض النّاس فيصبحون أكثر عدوانيّةً اتجاه الآخر و أقلّ تكيّفاً مع مجتمعهم ، إلى جانب وساوس النّفس الأمّارة بالسّوء و وساوس الشّيطان الذي تعهّد بغواية بني آدم ، و إنّ عوامل الفقر و الجهل و سوء التّربية لهي أشدّ العوامل التي تسهم في بناء الشّخصية المؤذية أو ما يطلق عليه الشّخصية المتنمّرة ، فالتّنمّر كمصطلحٍ يشمل كلّ أنواع و أشكال الأذى و الإساءة اللفظيّة أو البدنيّة أو النّفسيّة التي يقوم بها فردٌ أو مجموعةٌ تمتلك صفاتٍ معينةٍ ضد فردٍ أو مجموعةٍ أخرى ، و إنّ المتنمّر له خصائص و صفاتٍ تميّزه سلباً عن الآخرين منها قوّة البنية أو قوّة الشّخصيّة أو الوضع الإجتماعي و السّلطوي في المجتمع و التي يستثمرها بشكل سلبي اتجاه الآخرين بصورٍ مختلفةٍ ، فالذي يقوم بضرب زميله في المدرسة و استضعافه يمثّل إحدى صور التّنمّر ، و كذلك الذي يقوم بشتم زملائه و أقرانه أو إجبارهم على فعل شيءٍ لا يرضونه .
و الملاحظ و المتتبّع لأحوال المجتمعات يلحظ انتشار تلك الظّاهرة في الدّول الغربيّة و خاصّة في مدارسهم و جامعاتهم و أماكن التّعليم عموماً ، فكثيراً ما تحدّثنا وسائل الإعلام عن حوادث إطلاق نارٍ يقوم بها طالب اتجاه مدرّسيه و أقرانه ، و قد يكون هذا الطّالب متنمّراً أو قد يكون ضحيّةً للتّنمّر في مرحلةٍ من مراحل عمره ، فالتّنمّر ظاهرةٌ مسيئةٌ لها آثارٌ نفسيّةٌ وخيمةٌ على الفرد و المجتمع و يجب على المجتمع معالجتها بصورةٍ حكيمة .
و قد أكّد ديننا الإسلامي على مسألة حسن التّعامل مع النّاس ، بل إنّ النّبي صلّى الله عليه و سلّم بيّن أنّ أقرب النّاس منه مجلساً يوم القيامة أحسنهم أخلاقاً ، و قال في مناسبةٍ أخرى إنّني بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق ، و في حديثٍ آخر ذهب حسن الخلق بخير الدّنيا و الآخرة ، و يبقى أن نقول أنّ التّربية الصّحيحة للنشء و زرع الأخلاق الحميدة في نفوسهم مع محاسبة المسيء لهي خير علاجٍ لهذه الظاهرة .