بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه. أما بعد،
الصلاةً لغةً تعني الدعاء، وفي الشرع: هي أقوال وأفعال مخصوصة تبدأ بالتكبير، وتنتهي بالتسليم. وإن للصلاة فضل ومكانة كبيرة في الإسلام، فهي الركن الثاني من أركان الإسلام، وتوصف بأنها عمود الدين، وهي العبادة الوحيدة التي تلقاها الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرةً من رب العالمين من دون واسطة الوحي جبريل عليه السلام، وكان ذلك في ليلة الإسراء والمعراج، بالإضافة إلى أنها أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: « أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح له سائر عمله، وإن فسدت فسد له سائر عمله » [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة]، وقد كانت الصلاة من آخر وصايا الرسول قبيل وفاته، وهذا مما يدل على الأهمية وفائدة والمكانة الكبيرة للصلاة في الإسلام.
إن الصلاة تعزز الصلة بين العبد وربه، فعن طريقها تتحقق مناجاته ودعائه، فتكون وسيلة للتقرب لله عز وجل، وسببًا في مغفرة الذنوب، وللصلاة أيضًا الكثير من الثمرات الأخلاقية والتربوية على الفرد التي تنعكس إيجابيًا عليه وعلى وأسرته ومجتمعه، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وتحقق للإنسان التزكية والراحة النفسية، حيث كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لبلال بن رباح: « أرحنا بها يا بلال ».
لا زال العديد من العلماء يفتون بأن تارك الصلاة المداوم على تركها كافر خارج عن ملة الإسلام، وإن كان تركه لها تكاسلًا وليس جحودًا وإنكارً لشرعيتها، وهؤلاء العلماء هم مجتهدون، ولديهم أدلة على ما يفتون به، وقد خالفهم علماء آخرون في هذه المسألة، وقالوا بأن تارك الصلاة إن كان تركه لها كسلًا فهو ليس بكافر، ولا يسع المسلم في ظل هذا الخلاف إلا أن يحرص على الصلاة حرصًا شديدًا، وأن يؤديها بتمامها، وفي أوقاتها المحددة، وبصفتها الصحيحة، وألا يتهاون أبدًا في تركها حتى لا يكون كافرًا على رأي الذين قالوا بكفر تارك الصلاة. فهذا الخلاف الذي نراه بين العلماء إن دل على شيء، فهو يدل على أهمية وفائدة الصلاة وعظمها، ومكانتها في الإسلام؛ لأنها العبادة الوحيدة التي وقع بين العلماء خلافٌ في تركها كسلًا، فكلهم متفقون بأن العبادات الأخرى من الصيام والزكاة وغيرها إن تركها العبد تقصيرًا منه من غير جحودٍ وإنكارٍ لها، لا يعتبر كافراً.