ظاهرة قلة الاهتمام بالقراءة والمطالعة
خير صديق في الزمان كتاب، قد أصبحت هذه المقولة في أيامنا هذه عبارة عن مقولة مضحكة، ولا معنى لها، فقد تبدلت الأزمان والأحوال، وأصبح الشعار الدارج "خير صديق في الزمان وسائل التواصل الاجتماعيّ"، وسائل الاستغابة، والنميمة، وقتل الوقت بالأحاديث الفارغة، ولا يُفهم من هذا الحديث أنها وسائل سلبية بالمجمل، ولكن الطريقة السيئة في استغلال هذه الوسائل هو الأمر السيء، والمخيب للآمال التي تنتظر أجيال مثقفة، ومطّلعة.
إنّ الشيء الغريب، والذي لا يصدّقه العقل، أنّك تكاد لا تجد أمياً لا يستطيع القراءة والكتابة، في عصر انحسرت فيه القراءة انحساراً كبيراً، في حين كانت القراءة في أوجها في الأزمان السابقة، مع كثرة الأميين في ذلك الوقت، فالأصل أن تكون المسألة عكسية، أي كلما قلت الأمية، زاد النهم على قراءة الكتب والاطلاع، وليس بشكل طردي، وتفسير هذه الظاهرة الغريبة، يعود لما هى اسباب كثيرة، وهي:
- سرعة الوصول إلى المعلومة: شبكة الإنترنت، ومحرّكات البحث سهّلت الوصول إلى المعلومات بشكل لا يصدق، وبالتالي فإنّ الأوقات التي كنّا نقضيها في قراءة الكتب، والالبحث عن المراجع، للوصول إلى معلومة، قلّت بشكل كبير، ثم قلّت معها الرغبة في القراءة والبحث.
- وجود البدائل: كانت القراءة والاطلاع، عبارة عن هواية، يملأ الشخص من خلالها أوقات فراغه، ولكن في هذا العصر ظهرت البدائل الكثيرة كمشاهدة التلفاز، ووسائل التواصل، وانتشار المقاهي والكافيهات، والسينما، والمسرح.
- ضيق الوقت: أصبح البرنامج اليوميّ لمعظم الناس مزدحماً، بالإضافة إلى أنّ أوقات العمل أصبحت طويلة، وبالتالي لم يعد الشخص يجد الوقت الكافي للقراءة، وحتى وإن وُجد هذا الوقت، فقد يتمّ استغلاله بالراحة، أو النوم، أو الخروج ولقاء الأصدقاء.
- التوعية: يبدأ التقصير عند الوالدين، ثم المدرسة، وينتهي عند الجامعة، فلو تدارك الوالدان هذا الأمر، وربوا أبناءهم على حب القراءة، وألزموهم بذلك في المراحل المبكّرة من أعمارهم، لأصبحت القراءة لديهم أمر اعتيادي، فالتوعية من قبل الأهل مهمّة جداً، وكذلك المدرسة، والجامعة، فلو كانت هنالك ساعة إلزامة للقراءة، كل يوم، لما أصبح الحال على تعرف ما هو عليه الآن.
- إهمال اللغة العربية: قلّما تجد أحداً في هذه الأيام يُحب اللغة العربية، ويرغب بتعلّمها، فالمعظم مُقبل على تعلم اللغات الأجنبية، مهملاً بذلك لغة الضاد، لغة القرآن الكريم، وبالتالي وهو على هذه الحال، فإنّه لن يُقبل على القراءة، والاطلاع، فهو لا يهوى ذلك، وقد لا يستطيع فهم مفردات اللغة العربية، ويصبح لسان حاله أنّه في غنى عن هذا الأمر، لأنّه لا يستحق ذلك التعب والجهد.
في النهاية أقول بأن هذه الظاهرة هي ظاهرة مجتمعية، وليست فردية، فلابد من التكاتف، والتعاضد، والسعي لحل وتدارك استفحال هذه الظاهرة، قبل أن تتفاقم الأزمة، فالمسألة بحاجة إلى حلول جذرية، على مستوى المجتمع بأكمله، تبدأ من الاعتراف بالمشكلة، ثم إيجال الحلول، ثم البدء بالتنفيذ.