إنّ الخلاف الناشيء بين العلماء على موضوع كشف المرأة لوجهها قائم على مبدأ العورة، فمنهم من قال بأن وجهالمرأة عورة؛ ومنهم من قال بأنه ليس كذلك. فالقائلين بأن وجه المرأة عورة؛ أوجبوا عليها تغطية وجهها وعدم جواز كشفه أمام الرجال الأجانب. أما القائلين بأن وجه المرأة ليس بعورة؛ فقد استحبوا أن تغطيه دون وجوب؛ إلا في حالة الخوف من الفنتة؛ أو كانت متزيِّنة بالكُحل وغيرها من أُمور الزينة، ففي هذه الحالة وجب عليه تغطية وجهها درءاً للفتنة وليس وجوباً كونه عورة. لم يصدر عن أيٍّ من العلماء سواء المُعاصِرين أو الأولين طلب أن تكشف النساء وجوههن، بل إنهم أجمعوا على استحباب تغطيته، وقالوا بأن هذا هو الأفضل. ومن أدِلة من قال بوجوب تغطية المرأة لوجهها حديث أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها (كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حاذوا بِنا أسدلت إحدانا جلبابها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفنا)، وأما القائلين بعدم وجوب تغطية المرأة لوجهها؛ فاستندوا إلى تفسير ابن عبَّاس رضي الله عنه للآية الكريمة القائلة (ولا يبدين من زينتهن إلا ما ظهر منها) قال (مافي الكف والوجه) أي الكحل والخاتم وهذا يعني جواز كشف الوجه. وكذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما دخلت عليه أسماء بنت أبي بكر وعليها ثياب شامية رقاق فأعرض عنها ثم قال (ما هذا يا يا أسماء؟ إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يُرى منها إلا هذا وهذا، وأشار إلى وجهه وكفيه).
وأجاز العلماء كشف المرأة لوجهها إذا كان النقاب يُلحِقُ بها ضرراً، كأن لا تستطيع الرؤية بشكل سليم فتقع، أو يؤثر عليها بأي شكلٍ من الأشكال. ولكن إذا كانت المرأة في مجتمعٍ لا ترتدي النساء فيه النقاب ولا تُغطين وجوههن؛ فهذا ليس مدعاة لها لتنزع نِقابها إن كانت قد اعتادت على لبسه، بل الأولى بها أن تتمسَّك به إن كانت مؤمنة بالنِّقاب مقتنعة به؛ لتكون قدوة لغيرها من الفتيات. أما عن اللاتي لا يخلعن النقاب عن وجوههن أمام ازواجهن أو محارمهن أو غيرهن من النساء؛ فهذا من العادات القديمة عند بعض القبائل، وهي ليست من الدين في شيء، فللرجل أن يرى من زوجته ما يشاء، وليس لها أن تُخفي عنه أي شيء من جسدها، فكيف بها تُخفي وجهها عنه وهو أساس الجمال وخصوصاً إذا كانت مُتزيِّنة له؟ ولكن هذا لا يعيب عليهن أيضاً في شيء، فهي من العادات التي عاشت وتربت عليها، فمن الصعب جداً أن تخرج عن هذه العادات.
أمّا بالنسبة للذين يدعون النساء إلى كشف وجوههن، ويرون في تغطية الوجه أمراً شائناً، ما دخلكم أنتم في المرأة إن أرادت أن تغطي وجهها؟ من وجهة نظر البعض أن هذا الأمر يتم بالغصب والإكراه، ولكن الفتاة أقدر على معرفة ما يصونها وما يفتنها، فالمرأة المسلمة أخوَفُ على نفسها من غيرها، وهي حرَّة بطريقة حفاظها على نفسها، واختلاف العلماء ليس لقصور في الدين، بل من رحمة الله سبحانه بعباده.
