إنّ الله عزّ وجل فرض على المسلمين خمس صلوات، فمن زاد على ذلك، فصلى الضحى، أو قام الليل، أو صلّى في غير الاوقات المفروضة فإن ذلك من النوافل التي يجزى المسلم عليها ولا يأثم، إلا في حالة إنزال فرض الكفاية منزلة فرض العين، نحو صلاة الكسوف او صلاة العيدين، وهذا لا يتحقق إلا إذا لم يقم أحد بهذه الصلاة من أهل المكان القريبين من المسجد، حينها يأثم من لم يؤدِ الصلاة وكان قادرا عليها، أمّا إن توفر العدد الكافي لإداء الصلاة النافلة فإن الإثم لا يلحق بمن لم يؤدها، وهذا هو المقصود من فرض الكفاية. وهذا يجري على الفراض الأخرى، فالواجب في الصوم صيام شهر رمضان فقط، وما عداه يعدّ نافلة، كصيام الست من شوال، أو يوم عاشوراء وتاسوعاء، وغيرها من الأيام، وكذلك الزكاة، يؤتي القادر المحقق للنصاب زكاة ماله، فإن زاد فإن ذلك تطوّع يثاب عليه إن فعل، ولا يأثم إن أحجم، والله وحده أعلم.
وصلاة تحية المسجد من النوافل، ولا يختلف حكمها عن النوافل، ولكنّ الفقهاء اختلفوا في حكمها، وما داموا قد اختلفوا، وكان رأي كل منهم حجة يؤخذ به، فإنّ الحكم بأنّ تحية المسجد سنة يؤخذ به، علما أن ذلك الحكم أجمع عليه اهل العلم، فمن دخل المسجد وصلى ركعتين تحية للمسجد فسيناله أجر الصلاة، وإن جلس دون أن يصلي واكتفى بالفريضة فإنه لن يأثم بإذن الله. ولكنّ الفقهاء استحبوا أن يؤدي الداخل إلى المسجد صلاة تحية المسجد، وهم يتكئون في ذلك على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: " إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين"، ثمّ إنّ الإمام النووي رحمه الله قد قال بإجماع العلماء على أن صلاة تحية المسجد مستحبة. ومما يؤكّد استحباب تحية المسجد ما جاء في صحيح مسلم، ففي حديث جابر بن عبد الله قال: " بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إذ جاء رجل فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أصليت يا فلان قال: لا. قال: قم فاركع".
إذا كان النبي قد أمر الرجل أن يصلي وهو في خطبة الجمعة التي يحسن بالمسلم أن ينصت لها، وإن حرك رمل المسجد يكون قد لغا كما حدث بذلك النبي عليه الصلاة والسلام، فإن صلاة تحية المسجد أولى في الاوقات الاخرى، يضاف إلى ذلك أنّ الناس بأمس الحاجة إلى زيادة اعمالهم الصالحة، والنوافل يؤجر القائم بها، فلماذا لا يكثر المسلم منها، فقد تكون هاتان الركعتان المنجيتين من عذاب جهنم، وتكونان سببا في دخول الجنة، وقد قال النبي في حديث آخر: " من توضأ مثل وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه، غفر له ما تقدم من ذنبه"، من يدري قد تكون ركعتا التحية ركعتين يغفر الله بهما للمسلم ما تقدم من ذنبه، لا شكّ أنّه عرض مغرٍ جدا، لماذا لا يستغل المؤمن هذا العرض، ويكثر من الصلاة والنوافل عموما، فالإكثار من النوافل يمنح الأجر العظيم، ففي ذلك يقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: " .. وما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحببته ، فكنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأُعطينَّه ، ولئن استعاذني لأُعيذنّه " رواه البخاري .
والأرجح أن عدد ركعات صلاة تحية المسجد ركعتان، عطفا على قول الرسول الوارد ذكره سابقا" إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين"، ولكنّ الحديث الآخر عن أمر الرجل بالصلاة في وقت خطبة الجمعة لم يشر فيه الرسول صلى الله عليه وسلّم إلى عدد الركعات، وترك المجال مفتوحا حين قال : " قم فاركع"، وعلى ذلك يكون الراجح ركعتين، ومن أراد الزيادة فله ذلك.
وأختم بالقول إننا بحاجة إلى كلّ حسنة على كثرة ذنوبنا وتقصيرنا مع الله، وما دام الله قد كتب لنا الأجر إذا تطوعنا وزدنا في النوافل فهي فرصة ذهبية لا تعوض في أن نكثر منها، ومن ذلك صلاة تحية المسجد.