من نعم الله علينا هو هذا الدين الإسلامي الحنيف، الذي وصلنا بجهد الدعاة إلى الله من الصحابة والتابعين والصالحين عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وبلا شكّ فإنّ لكل دين شريعة ومنهاج وله أركان لا يستقيم بناء هذا الدّين العظيم إلّا به، ولحكمةٍ أرادها بنا الخلق جلّ جلاله أحلّ لنا أموراًّ وحرّم علينا بعضها، وهذا لا ريب فيه مصلحة للعبد وخير له في الدنيا والآخرة.
من تمام ايمان المرء وحسن إسلامه أن يقوم بأركان الإسلام الخمس وأن يؤمن إيماناً قاطعاً بأركان الإيمان أيضاً، فإذا أدّاها كان من المؤمنين لأنّ الإيمان أعلى درجة من الإسلام كما أنّ الإحسان هي أعلى درجات الإيمان، وإذا لم يؤمن ولو بركن واحد من أركان الإيمان كان كافراً ؛ لأنّ الايمان يكون جملة واحدة ولا يحقّ أن يجتزء من هذا الدّين ما يلائمه فهو من عند الله عزّ وجلّ وليس لبشرٍ أن يكون له فيه يدّ.
فإذا أتمّ الإنسان هذه الأركان وجب عليه أن يجمّل عباداته وطاعاته وهي الركن العمليّ الذي تُري فيه ربّك صدقَ إيمانك، ويكون هذا بالنوافل والسنن الرواتب التي تتقرب بها إلى الله زلفا وتكون على طريق أولياء الله الذين أحبّ فيهم أن يؤدّوا ما افترضه عليهم ويتقربّون إليه بالنوافل، أمّا المعاصي ومنها الكبائر والصغائر واللمم، فهي تكون إمّا بفعل أمر محرّم نهى الله تعالى عنه، أو ترك فعلٍ أمر الله تعالى به، وفي كلا الحالتين معصية يجب على فاعلها ( وهو مسلمٌ بلا شكّ ) أن يتوب منها ويقلع عنها – وأركّز على أمر مهمّ وهو أنّ فعل المعاصي لا يّخرجُ من دائرة الإسلام ولكنّه يعدّ عاصياً أو فاسقاً تجب عليه التوبة والإقلاع عن الذنب والله عزّ وجلّ، غفّارٌ لمن آمن وعمل صالحاً ثم اهتدى .
وما أودّ أن أحضّ عليه هو عدم التساهل في هذه المعاصي والذنوب، حتى لو كانت صغيرة في عينك، فلا تنظُر إلى دقّة الذنب ولكن أنظٌر إلى عِظَم من تعصيه وهو الله عزّ وجلّ، وما تهاون أحد في معصية ولو صغُرَت إلّا كانت تلك بداية الانزلاق في معاصي أعظم وأخطر ؛ لأن هذا من طرق وخطوات الشيطان، وشبّه النبي صلّى الله عليه وسلّم الخوض في الأمور التي فيها شكّ ( فما بالك لو كانت معصية؟! ) بأنه كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه، والحمى هو محارم الله التي نهى عنها، ومن عقوبات التساهل في الذنوب هو قسوة القلب فلا تجدهٌ يأنس بكلام الله أو حديث رسوله صلى الله عليه وسلّم، كما أنّ العين تجفّ عن دمعها خشيةُ من الله عزّ وجلّ، وإذا حُرِمَ المرء من مذاق الإيمان فقد فاتَهُ خير عظيم والله، فاللهم تٌب علينا لنتوب واغفر لنا الذنوب إنّك يا مولانا سميع مجيبٌ .