أراد أحمد وهو مقبلٌ على الزّواج أن يخطب إحدى بنات المدينة، سمع عنها الكثير عن أخلاقها وصفاتها وجمالها، وكان الذي أخبره عنها صديقه الذي يقربها قرابةً بعيدةً، لم يتمالك أحمد نفسه بعد أن سمع ما يقال عنها، ففتن من بعيدٍ بها وأحبّها، فأخبر أمّه عن نيته الزّواج منها، ذهبت الأمّ إلى بيت أهل البنت، استقبلوها بحفاوةٍ واعتذروا عن عدم تمكين الأمّ من رؤية البنت بسبب حيائها والتزامها، قفلت الأمّ راجعةً وأخبرت ابنها بما حصل، ازداد أحمد إعجاباً بها وظنّ أنّ ذلك من شدة التزامها، وبعد أن سمعت البنت عن أحمد وأخلاقه وافقت على الزّواج منه، أتمّ أهل العروسين مراسم الزّواج، حتى إذا حانت ليلة لقائهما وكشفت العروس عن وجهها تفاجأ أحمد من شكلها القبيح فولى هارباً حزيناً ثم بعث لها بورقة الطلاق .
قصةٌ عمليةٌ حصلت وتحصل أحياناً في بعض العائلات نتيجة عدم الوعي بقضية النّظرة الشّرعيّة في الزّواج، فترى النّاس ما بين متشددٍ فيها فيمنع النّظر بالكليّة ومنهم من يبيحه بلا حدودٍ، وقد حرصت الشّريعة الغرّاء على تحقيق التّوافق بين الزّوجين فهي مفتاح السّعادة في الحياة الزّوجيّة، فغاية الزّواج في الشّريعة هي البقاء والاستمراريّة في جوِّ من الألفة والسّكينة والمودّة ومفتاح ذلك هو النّظرة الشّرعيّة فهي بوابة الدّخول إلى هذه الحياة الجديدة، فقد أباح ديننا للخاطب إذا وُجدت لديه الرّغبة والنيّة الصّادقة أن ينظر إلى البنت التي يودّ خطبتها، وأن ينظر إلى ما يحمله على ذلك، وقد اختلف العلماء في حدود النّظرة الشّرعيّة فمنهم من حدّدها بالوجه والكفّين وهم جمهور العلماء ومنهم من توسّع في المسألة فأباح النّظر إلى شعرها وساقها، والرّاجح أنّه لا يجوز ذلك فهو كالأجنبيّ عنها، إنّما أبيح له الجلوس معها والنّظر إليها لغاية حصول التّوافق والتآلف بينهما، فأرواح البشر جنودٌ مجنّدةٌ ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف كما صحّ عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم، فالأصل التّوافق النّفسي بينهما لتجنّب حصول ما لا يحمد عقباه من المشاكل وعيوب والطّلاق .