ما إن يتوفّى الله تعالى أحدًا من البشر حتّى تبادر ذرّيته إلى تقسيم الميراث الذي ورثته منه، ولا يقسّم ميراث الميت إلا من بعد أن ينظر هل عليه دين أم لا، لأنّ دين النّاس واجب الوفاء في مال الميت، ثمّ ينظر هل أوصى الميت بمال إلى أحدٍ من الورثة أو غيرهم، ثمّ بعد ذلك يقسّم المال بين الورثة وفق ما فرضه الله لكلّ صاحب حقّ، ويتساءل كثيرٌ من النّاس عن معنى الوصيّة وأركانها فنقول:
إنّ الوصيّة معناها أن يقوم الإنسان في حياته أو مرضه بالتّبرع إلى شخصٍ ما أو جهة ما، ويكون تنفيذ هذا الوصيّة بعد موته، وقد بحث فقهاء المسلمين في حكم الوصيّة للوارث وغيره، فقد رأى علماء الحنفيّة والحنبليّة والشّافعية أنّ الوصية قد تجوز للوارث الذي يكون له نصيب في الميراث ولكن تكون هذه الوصيّة متوقّفة على رضا بقيّة الوارثين، فإن أجازوا تلك الوصيّة قبلت ونفذت، أمّا إذا لم يجيزوها فلا تنفّذ، بينما خالف علماء المالكيّة هذا الرّأي حين قالوا بعدم جواز الوصيّة للوارث وإنّما تكون فقط لغير الوراث لحديث الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أن الله قد أعطى لكلّ ذي حقّ حقّه فلا وصيّة لوارث، أمّا إذا قبل الورثة بموضوع الوصيّة وقبلوا بإعطاء المال للموصى له فإنّها تكون في هذه الحالة من باب التّبرع وتجري عليها أحكامه ولا تعتبر في هذه الحالة وصيّة شرعيّة.
في حالة الوصيّة لغير الوارث فإنّ على المورث أو الموصي أن يراعي أن تكون الوصيّة في المال في حدود الثلث، لتحديد النّبي صلّى الله عليه وسلّم نسبة الوصيّة للصّحابي الذي أراد أن يوصي حيث قال له الثلث والثلث كثير، لأن تدع عيالك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكفّفون النّاس، أمّا إذا زادت الوصيّة عن الثلث فإنّ ما زاد منها يتوقّف تنفيذه على رضا الورثة.
الوصية جائزة من الموصي على الحجّ سواء كان فرضًا أو نفلًا كأن يوصي رجل أن يحجّ عنه أحدٌ من ورثته أو من غير الورثة جاز ذلك ويكون من مال الموصي. والوصية أخيرًا هي ثابتة في السّنة النّبويّة بل هي مستحبة حين قال النّبي عليه الصّلاة والسّلام ما حقُّ امرئٍ له شيءٌ يوصي فيه يبيتُ ليلتينِ إلّا ووصيتُهُ مكتوبةَ عنده، وأركان الوصيّة أربعة أركان وهي الموصي والموصى له والموصى فيه وهو المال، والصّيغة وهي القبول حيث يكون الإيجاب من الموصي والقبول من الموصى إليه.