ابن تيمية
خلّد التّاريخ الإسلامي ذكر عالمٍ وداعية ذاع صيته في الآفاق وهو الإمام أحمد بن تيمية الحرّاني الذي لُقّب بشيخ الإسلام، وقد كانت حياة الشّيخ تتقلّب بين مجالس العلم التي تصدّى فيها لمهمّة تفسير القرآن والفقه وتعليم المسلمين أمور دينهم، وبين السّجون التي أودع فيها الشّيخ نتيجة آرائه واجتهاداته التي أثارت اللّغط والجدل في تلك الفترة الحرجة من فترات التّاريخ الإسلامي، فكيف كانت نشأة ابن تيمية؟ وتعرف على ما هى أبرز المحطّات في حياته؟
نشأته
ولد تقي الدين أحمد بن تيمية في بلدة حرّان التي تقع على الحدود السّوريّة التّركيّة عام 1263 للميلاد، وقد نشأ في بيت علم؛ حيث كان أبوه وجدّه من علماء الحنابلة الذين تصدّوا لمهمّة نشر المذهب الحنبلي بين النّاس، فكانت نشأة ابن تيمية على العلم والقرآن منذ الصغر؛ حيث تشرّب حبّ الدّين قلبه وعقله فأتمّ حفظ القرآن الكريم وهو صغير، ثمّ وبعد وفاة أبيه تصدّى للمهمّة التي كان أبوه يقوم بها في الجامع الأموي في دمشق حيث كان يتحلّق حوله طلبة العلم من الشّام وغيرها من الأمصار.
ابن تيميّة وجهاد التّتار
شهد ابن تيمية صغيرًا ما أحدثه العدوان التّتاري والصّليبي في الأمّة الإسلاميّة من تفرّق وتشرذم للمسلمين، ونشر للعقائد الفاسدة الضّالة بين المسلمين، كما تلمّس آثار الدّمار الذي أحدثه التّتار في بلاد المسلمين حينما أقدم هولاكو على دخول بغداد وقتل الآلاف من المسلمين فيها، وقد قضى هجوم التّتار على الخلافة الإسلاميّة الجامعة للمسلمين حينئذ، وقد شاء الله أن تُسلم قبائل من التّتار وتدخل في دين الله بعد أن تعرّفت على الإسلام وسماحته، ولكن ذلك لم يمنع أن يأت أحفاد هولاكو للهجوم على ديار المسلمين؛ مجددًا حيث قام زعيمهم محمود غازان بالهجوم على حلب واحتلالها وقتل المسلمين فيها، ثمّ توجّه قاصدًا دمشق فطلب ابن تيمية اللّقاء به.
عندما اجتمع به ابن تيمية ذكّره بالله ونصحه فأبلغ في ذلك، وقد كانت نتيجة اللّقاء أن أعطى زعيم التّتار الأمان للمسلمين، ثمّ ما لبث أن غدر ونكث اتفاقه وعاود الهجوم على دمشق، وعند ذلك استنفر ابن تيميّة جموع المسلمين وزعمائهم وبذل في سبيل ذلك جهدًا كبيرًا وحثّ على الإنفاق في سبيل الله تعالى لتجهيز الجيوش، وقد أثمرت جهوده أن انتصرت جيوش المسلمين على التّتار في معركة شقحب الشّهيرة وولّى التّتار هاربين من ديار المسلمين .
وفاته
على الجانب العقدي كان ابن تيميّة مدافعًا شديدًا عن عقيدته وفكره ضد أفكار الصّوفية والشّيعة؛ فتعرّض إلى محنةٍ شديدة وسجن مرّات عدّة حتّى توفّاه الله في سجنه في قلعة دمشق وشيّع جنازته عشرات الآلاف، رحمه الله رحمةً واسعة.