الوطن
الوطن هو المساحة أو المكان الذي يرتبط به الفرد ارتباطا وثيقا، ويمتد عبر تاريخه وتاريخ أسلافه، ليتولد معه انتماء يورثه إلى أبنائه، وهو مسقط رأس الإنسان، والمكان الذي نبت فيه وكبر، وكان مقره الدائم، مهما طالت أسفار الفرد فإن العودة تكون في النهاية لحضن هذا الوطن.
يعتبر الوطن جزءأ من تربة كانت التكوين الأول للإنسان، فكان جزءا من الروح وكل الجسد، وهو كون الفرد وعالمه ومجمع خلانه وأحبائه وهو أول الضوء وآخر الرؤيا، وما بين الأول والآخر تكون المدرسة التي تصحح وتقوم بقوة الانتماء للأرض.
الوطن هو أول اللحن، والمفردة الراقصة التي تصقل اللحن ليكون خالدا، فيصنع هوية تعرف عن هوية العازف، والشاعر الذي يصقل عباراته فعلا في بناء الوطن، فيكون الوفاء على قدر الانتماء لثرى أرض نزفت لتلفظ الإنسان وجعا من رحمها، وتلبسه رداء أبديا من جلد يكسو العظم، منقوشا عليها الاسم والهوية والحسب والنسب والتاريخ والغد، كل تلك المفردات تحت مسمى وطن.
الوطن هو الدمعة الأولى في لحظة المخاض، والبسمة الأولى عند اكتمال الميلاد، والأم الأولى في الشعاع الأول الذي يسقط من شمس لم تشرق يوما إلا لتكون جسدا على ثرى وطن، الوطن هو النزف الدائم لامرأة توالى عليها مغتصبوها تباعا، فكانت برغم كل شيء الأكثر عفة وطهرا، وقربانها شلالات دم من نبيذ السماء الذي تحول لدماء في جسد ثائر يفجر ثورة ليقوم الوطن.
الوطن نبي يصلب، وآخر يرقى للسماء، وعذراء تنجب إلها، فتكبر على ثراه المساجد، وتقرع الكنائس أجراس العودة بعد طول ضياع واغتراب وموت، ونخلة باسقة تسند السماء، وحبة قمح تعيد صياغة خارطة الأرض فتطرح حبوبا لتصبح بحرا من السنابل العسلية بلون خيوط الشمس والعيون المحدقة إليها، منتظرة موسم الحصاد لتصنع خبزا.
الوطن عروس هرمة يافعة، لا تشيخ ولا تكبر، وكانت منذ بدء الكون حتى اليوم ترتدي رداءها الأبيض المتجدد، الذي يلطخ بالطين تارة وبالدم تارة أخرى، فيعود ناصعا من جديد بلون ملائكة السماء منيرا لا يحتمل الرجس، ليطرح عنه قذارة يد ما كلت أن تحاول جاهدة تلويث طهره، فيحترق بنيران القداسة وتتلقف نيران الجحيم العابثين! والوطن كل هذا، وأنا لم أنطق بعد المعنى الحقيقي للوطن!
قال نزار قباني في قصيدة (أرسم وطن):
كأس 1
عندما أشرب الكأس الأولى
أرسم الوطن دمعة خضراء وأقلع ثيابي... وأستحم فيها...
يعرف محمود درويش الوطن قائلا:
ماهو الوطن؟
هو الشوق إلى الموت من أجل أن تعيد الحق والأرض
ليس الوطن أرضا...
ولكنه الأرض والحق معا...
الحق معك، والأرض معهم!