الانتحار
يعرف الانتحار بأنه قيام الشخص بعمل ما يؤدي بنفسه إلى الموت عمدا، وتتنوع طرق ووسائل الانتحار ما بين تسمم، أو شنق بالأسلحة النارية، أو قفز من المرتفعات، وغيرها، فتبوء بعض المحاولات بالفشل ومنها ما يؤدي إلى الموت مباشرة، ويلجأ الأشخاص إلى هذه الوسيلة المحرمة شرعا للتخلص من كدر الحياة إثر اضطرابات نفسية أو إدمان أو تعاطي للمخدرات، أو نظرا لظروف مادية أو علاقات شخصية، وقد شهدت السنوات الأخيرة الماضية تسجيلا كبيرا لعدد حالات الانتحار ومحاولاته، وفي بيان رسمي لمنظمة الصحة العالمية فإن الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل قد سجلت وحققت أعلى نسبة من محاولات وحالات الانتحار حتى بلغت 75% من نسبة حالات الانتحار، ويذكر بأن الانتحار يرتبط بالوسيلة الشائعة في الدولة التي ينفذ فيها، فمثلا قد يكون السلاح الناري جائز الاستخدام في دولة ما وفي متناول اليد فيصبح وسيلة سهلة للمقدم على الانتحار لتنفيذ انتحاره باستخدامه.
ما هى اسباب الانتحار
كشفت منظمات رسمية عن معظم الما هى اسباب التي دفعت بالأشخاص إلى التفكير بالانتحار سعيا للخلاص من الحياة التي يعيشونها، وكان معظمها يعزى إلى الاضطرابات النفسية، ومن هذه الأسباب:
- الاضطرابات النفسية: قد يعاني الفرد من أمراض نفسية تؤدي به إلى الانتحار؛ كالهوس، والانفصام، والاضطراب الاكتئابي الحاد، فدخول المريض حالة من الهستيريا يؤدي به إلى اضطرابات المزاج، وبالتالي الغضب الشديد، ونهاية الانتحار، كما أن الصدمات قد تؤدي بالأشخاص إلى مثل هذا العمل المشين.
- إدمان المخدرات وتعاطيها: تعتبر المخدرات من مذهبات العقل التي تؤدي بالإنسان إلى فعل كل ما لا يتقبله العقل البشري السليم، فمن الممكن لمدمن المخدرات أن يمارس سلوكات ويقدم على أفعال وهو غير مدرك لها تحت تأثير ونتائج المخدر، كالقتل والاغتصاب والانتحار.
- لعب القمار: وهي وسيلة للتسلية باتباع أسلوب الرهان أي مقابل مبلغ من المال أو أي شرط يتوجب تنفيذه من قبل الخاسر في اللعبة، وتضع هذه اللعبة لاعبيها تحت شروط صعبة التنفيذ وبالتالي من الممكن أن تؤدي بهم إلى الانتحار، وقد حرمها الإسلام حرمة قطعية.
- حالات طبية مرضية: أكد أطباء على وجود ارتباط وثيق بين المشاكل وعيوب الصحية والانتحار، ومن بينها إصابات الدماغ المرضية، والسرطان، والفشل الكلوي، والإيدز، وغيرها من الامراض، كما أن الانتحار قد يكون نتيجة للآثار الجانبية لبعض الأدوية، كما يلعب الأرق وانقطاع النفس النومي دورا في إصابة الفرد بالاكتئاب الذي قد يوصله إلى الانتحار.
- الحالات النفسية: تصيب بعض الأفراد حالات نفسية مزمنة تفقدهم الرغبة في الحياة والمتعة بها، وتشعرهم بالقلق الدائم، وما يزيد من حدة المشكلة هو القدرة المحدودة على السيطرة على هذا المسبب، ومن أبرز الما هى اسباب التي تشكل حالة نفسية للشخص الاعتداء الجنسي، و التحرش الجنسي، والتفكك الأسري، والبطالة.
- وسائل الإعلام: تنقل وسائل الإعلام المقروء والمرئي أخبارا حول حالات الانتحار والطرق ووسائل المتبعة، وذلك ما ينمي لدى الأفراد الرغبة بتطبيق الأسلوب ذاته، فيذكر الإعلام الفرد بهذه الوسيلة، الأمر الذي يعد خطرا بالغا على حياة الفرد، وهذا ما يعرف بعدوى الانتحار.
- القناعة الأكيدة لدى الفرد بأن الانتهاء والتخلص من تبعات الحياة وكدرها يعد سببا مقنعا للإقدام على الانتحار، وفي هذه الحالة إذا لم يتم استئصال الفكرة من جذورها لدى الفرد فلن تنجح أي وسيلة أخرى بردعه عن هذه الخطوة.
الحد من ظاهرة الانتحار
يجب على الجهات المسؤولة عن الأفراد من حكومات وأسر اتخاذ أشد الإجراءات الوقائية للحد من ظاهرة الانتحار والتقليل منها بدلا من ترسيخها، وتقع مسؤولية القضاء على هذه الظاهرة على عاتق المجتمع بأكمله وليس على فرد بعينه أو جهة معينة، فبمعالجة الما هى اسباب المؤدية للانتحار تتلاشى هذه الظاهرة المحرمة، ومن أهم هذه الطرق:
- التربية والتنشئة السليمة: تعتبر الأسرة اللبنة الأساسية في المجتمع، فهي المسؤولة عن المرحلة الأولى التي يبدأ الفرد فيها باكتساب عاداته، وتكوين ذاته، وبناء أفكاره ومعتقداته، فإذا نشأ ببيئة صالحة كان فردا صالحا، أما إذا كانت البيئة سيئة فإن ذلك ينعكس عليه وعلى مجتمعه مستقبلا.
- الوازع الديني: يعد الوازع الديني والخوف من الله تعالى والحرص على مرضاته سببا قويا لردع المسلم عن الانتحار، وعن كل تعرف ما هو محرم، فالمؤمن لا يفقد الثقة بالله، وبحكمته، وعدله، ورحمته، فهو يعلم بأن بعد العسر يسرا، وبعد كل ضيق فرج.
- تعزيز روح التفاؤل لدى الفرد.
- الحد من العنف الأسري والمشاكل وعيوب الزوجية: فالمشاكل وعيوب الأسرية تؤثر بالدرجة الأولى على نفسية الطفل أو الأبناء بشكل عام مما يؤدي إلى لجوئهم إلى ما يخلصهم من هذه الضغوطات النفسية.
- الرعاية الاجتماعية: إذ يعتبر الفرق بين الطبقات الاجتماعية عاملا مسببا للانتحار، والرعاية الاجتماعية تساعد على الحد من هذه الظاهرة.
- التوظيف والقضاء على البطالة: إن العمل على توفير فرص عمل ووظائف للعاطلين عنه يؤدي إلى التقليل من ظاهرة الانتحار، لأن العمل يملأ أوقات الفراغ، ولا يكون هناك أي مجال أمام الشباب للتفكير بطريقة سلبية والإقدام على الانتحار، فبالعمل يشعر الإنسان بأنه كائن منتج، فيشعر بالإنجاز، ويعرف أن وجوده في الحياة ذو قيمة.
- تقييد فرص الحصول على الوسائل المسهلة للانتحار كالأسلحة النارية، والسموم، وغيرها.
الانتحار في الأديان
حرم الدين الإسلامي على المسلم الإتيان بكل ما يؤدي بنفسه إلى التهلكة، فالنفس البشرية ملك لله تعالى وليس للإنسان ذاته، فإذا تسبب بالأذى والضرر لها فقد نال من الله تعالى عقابا شديدا ليصبح من النادمين، فعلى المسلم الارتقاء بالنفس والمحافظة عليها إلى حين انتقال الروح إلى بارئها، وقد توعد الله سبحانه وتعالى كل من يقدم على مثل هذا الفعل الشنيع بالعقاب، فهو يعتبر آثما لأن الانتحار حرام شرعا، وهناك دليل شرعي على نهي الله تعالى لعباده عن الانتحار، وذلك بقوله تعالى " ولا تقتلوا أنفسكم"، فلا يحق للإنسان الاستعجال بإنهاء حياته، ولا يحق له التدخل بذلك، فعلى المؤمن التأكد بأن أي ضيق يصيبه لا بد أن يليه يسر، ولا يحمل الله تعالى نفسا فوق طاقتها، ويتوجب على المسلم الصبر وعدم اليأس والقنوط من رحمة الله تعالى وعدله، وكل من يعتقد أن الانتحار وسيلة للخلاص من الحياة، عليه أن يعلم بأنه بداية لمشوار طويل مع العذاب والعقوبات الأخروية التي أعدها الله تعالى لمرتكب هذا الإثم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل نفسه بشيء عذب به في نار جهنم"، ونحيطك علما بأن هناك نوع من الانتحار قد يكون انتحارا بطيئا كالمشروبات الروحية، أو المخدرات، أو العلاقات الجنسية المحرمة التي تؤدي إلى إصابة الإنسان بأمراض لا شفاء منها وتدمر جسمه بالكامل وبالتالي تؤدي إلى وفاته، ويكون بذلك انتحارا بطيئا لأنه يعلم ما تؤدي إليه هذه السبل من نهاية محتومة.
وقد أجمعت الديانات بالرغم من اختلافها على أن الانتحار ليس شيئا مباحا، ففي الديانة المسيحية يعتبر الانتحار خطيئة يعاقب عليها المنتحر، فالحياة هدية من الله تعالى لعباده، ولا يجوز للعبد أن يرفضها، وبالانتحار يكون العبد قد رد هدية وهبة الله تعالى له، أما الديانة اليهودية فيعد الانتحار بمثابة استنكار لخير الله تعالى في هذا العالم، وفي الديانة الهندوسية يعتبر الانتحار غياب الجسد دون الروح، فمرتكب هذه الجريمة ستبقى روحه تعاني وتتخبط في الأرض، فهي لا تقتل حتى يحين الموعد المحدد لموتها.