ملكة التفكير لدى الإنسان تجعله قادرا على التبحر في خيالاته وتصوراته ، ومن أهم هذه الخيالات والتصورات ما يعرف بأحلام اليقظة ، وهي علميا ليست أحلام بالمعنى الحرفي على قدر تعرف على ما هى تركيز الإنسان بشيء ما والغوص به فكريا حتى يكاد يكون منفصلا عما حوله تماما ، ساهما في ملكوت آخر من وحي خيالاته . تبقى هذه الحالة جميلة ويمكن أن تكون مبدعة وخلاقة طالتعرف على ما هى في حدود المعقول ولا تأخذ الإنسان من حياته ، بل وتكون مفيدة جدا ليتخطى الإنسان بها أزماته وأوحواله السيئة ، فلولا خيال الإنسان لما استطاع أن يشعر بالأمل وينظر للغد بطرق ووسائل إيجابية تحثه على مواصلة الحياة رغم الصعاب . والإنسان الذي يعرف الأمل والخيال لن يفنيه عن الاستمرار شيء ولن يحط من عزيمته شيء ، فبأحلام اليقظة يمكن للإنسان أن يعيش حيوات أخرى غير حياته أو أن يكمل حياته كما يرديها قبل مرور الزمن ويتخيل نهايات ما ، أو ببساطة يمكنه أن يأمل بالاحسن وأفضل حتى دون وجود معطيات لذلك ، على الرغم من النظرة الاجتماعية للذي يحلم ودائم الأمل بأنه ساذج وغارق في عالم وردي ويتوجون انتقاداتهم بالقول أن حالته مجرد أحلام يقظة فهذا الأمر رغما عنهم جميل ومفيد وصحي والذين لديهم القدرة على الخيال أناس جميلون يبثون الحياة والتفائل في ذواتهم وفي من حولهم . ولكن في حالات التعرض لقسوة حياتية كبيرة فغن لجوء الإنسان لأحلام اليقظة قد تصبح مرضا لأن النفس من شدة تعبها ستعتمد هذه الأحلام كطريقة للهروب من المواجهة او من الألم الحاصل ، ويمكن أن يحصل تبعا لهذا تعمقا في حالة أحلام اليقظة أو الخيال حتى ينفصل الإنسان عن واقعه بشكل مرضي أي أنه يرتبط بالخيال أكثر من الواقع ويصبح غير عالم بما يجري حوله وبالتالي غير قادر على التعامل معه ، وهذه الحالة بالطبع لا تعتبر مرضية إلا في حال استمرارها لوقت طويل يتعدى اليوم او الأسبوع ، وعادة ما تحصل هذه الحالة لدى الذين يعانون من اضطراب ما بعد الأزمة ، وهي حالة تحدث لأشخاص عاشوا ظروف مأساوية بشكل مهول ، كأن يشهدوا حربا أو مجزرة أو مشاهد قتل عنيفة بأرض الحدث ويتصرفون في وقت هذه الأحداث بشكل طبيعي بل وشجاع في معظم الأحيان ، وبعد فترو من الزمن خاصة عند وصولهم لبر الأمان واختفاء الخطر يتعرضون لاضطرابات نفسية هائلة .