أضغاث من ضغث (بكسر الضاد) وهي ما اختلط من الحشيش من رطب ويابس، أو ما تأخذه بقبضة من الحشيش، فيكون فيها العشب الطويل والقصير، الطري واليابس والقاسي، وما يصلح للأكل وما لا يصلح. وفي الأحلام، هي الأحلام المتداخلة التي يستحيل أو لا يمكن تفسيرها لكثرة تفاصيلها أو لعدم الترابط بينها. وذلك في قوله تعالى (قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين)، أي أحلام متداخلة مضطربة لا تفسير لها. وهي تختلف عن الرؤية وعن الحلم البسيط الغير المتداخل.
الرؤية في المنام هي ما يمكن تفسيرها، وهي في تفسيرها أقرب إلى التحقق منها للأحلام الأخرى، فالأحلام قد تكون إسقاطا من واقعنا على الحلم، أو تكون حديث نفس؛ كأن يكون الحالم يفكر في موضوع معين أو يتمنى حصول أمر ما، فيأتيه في المنام، هذا حديث نفس لا يمكن تفسيره؛ لأن تفسيره مهم كان فهو خاطئ ولا يمت للتفسير بصلة. أما الحلم العادي البسيط فيمكن تفسيره ولا يشترط أن تتحقق نتيجة التفسير، على عكس الرؤية. فالرؤية يمكن تفسيرها؛ وتتحقق نتيجة التفسير ويراها الشخص أمامه.
الأضغاث لا تفسير لها ولا معنى، فهي عبارة عن مجموعة كبيرة من الأمور المتداخلة التي يستحيل فصلها. نعم إن أغلب الأحلام لا تكون منطقية عندما نستيقظ ونتذكرها، ولكن الأضغاث هي التي تكون أكثرها لا منطقية. الأحلام تكون عادة ذات تفاصيل غير دقيقة، كأن ترى نفسك في غرفة ولكنك لا ترى النافذة لأنها ليست من ضمن الحلم، أو لا ترى دهان الجدران أو الأثاث، ولكن في الأضغاث فأنت تفاصيلا كثيرة وغير منطقية، كأن ترى الأثاث في الغرفة صفيرا جدا أو كبيرا جدا، وربما يكون أثاثا كنت تشتهي أن تقتنيه بكل تفاصيله.
وكما جاء في الآية الكريمة، عندما عرض ملك مصر حلمه على المفسرين (وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات) الآية، نظرا لكثرة التفاصيل وتداخلها وانعدام المنطقية فيها؛ قال المفسرون للملك إنها أضغاث أحلام، فالبقر لا يأكل اللحم، والسنابل الخضراء لا يمكن أن تتواجد بجانب السنبلات اليابسة الميتة وبنفس العدد. ثم إن دقة العدد زادت من القناعة بأنها أضغاث أحلام. تفاصيل كثيرة وتداخل عجيب، هذا ما يجعل الحلم لا يمكن تفسيره، ويسمى بأضغاث الأحلام.
هناك أناس تأتيهم رؤى، ثم تتوالى عليهم الأحلام؛ وبعدها تبدأ الأضغاث بالظهور، فيختلط عليهم الموضوع، ولا يعودون يعرفون أيها رؤية وأيها حلما، وقد يسبب هذا الموضوع مرضا نفسيا للشخص، فلا يستطيع قادرا على النوم، ولا يعرف هل يقص حلمه على الناس أو يحتفظ به لنفسه، وقد تتطور معه المسألة حتى يظن أنه صاحب رسالة أو كرامة. والحل لمثل هذه الحالات يكون بالتوقف عن حديث النفس، تجاه كل شيء قبل الخلود إلى النوم، تصفية الذهن هي خطوة صحية نحو نوم هانئ، وأعلم مدى صعوبة هذا الأمر في عصرنا الحالي، ولكننا لن نخسر من المحاولة شيئا؛ بل قد يكمن المكسب فيها.