صور التعاون في المجتمع في الأنثروبولوجيا

صور التعاون الشعبي في المجتمع المحلي في الأنثروبولوجيا:

من صور التعاون الشعبي في الأنثروبولوجيا مثلاً ميكانيزمات التعاون داخل المجتمع المحلي، وهو عامل اجتماعي مهم من عوامل استمرار الحياة وبقائها، ومؤشر لقدرتها على مقاومة التفكك والتصدي للمؤشرات السلبية (من وجهة النظر الاجتماعية والثقافية) النابعة من الداخل أو الآتية من الخارج.


والتعاون عملية اجتماعية ثقافية تدخل إلى مجالات النشاط الإنساني، ولذلك تتعدد أشكالها وطبيعتها بتعدد الحياة الإنسانية، ومعنى ذلك أن دراسة هذا الموضوع فى المجتمع المحلي الحضري سوف تختلف عن دراستها فى سياق مجتمع محلي ريفي، أي أننا يجب أن نلفت النظر إلى نواحي هنا تختلف عن نواحي التعاون هناك.

ففى المجتمع المحلي الريفي تمثل أنشطة العمل الزراعي، من عمليات حراثة وبذر وري وحصاد، مناسبات هامة للتعاون بين أفراد الوحدة المحلية، في المقابل من هذا نجد أنشطة التعاون فى عمليات البيع والشراء والأنشطة الحرفية لها أثر أكثر وضوحاً في مجتمع التجاور في المدينة.

لذلك إن التعاون فى بناء المسكن يعتبر مجالاً من أهم مجالات التعاون فى المجتمع الريفي المحلي. وفى جميع الأحوال سواء كانت ريفية أم حضرية تمثل الأنشطة المنزلية، من طهو وخَبز ورعاية للمريض وغيرها تعتبر مجالاً هاماً من مجالات التعاون.



المناسبات الاجتماعية المشتركة في المجتمع المحلي:

إذا خرجنا من حدود تلك القوى الأساسية المؤثرة على شبكة العلاقات الاجتماعية، فإننا يجب أن نوجه الاهتمام إلى المناسبات الاجتماعية الشعبية المشتركة التى تتطلبها ظروف الحياة اليومية دون افتعال، وبشكل منتظم وعلى نحو مؤثر على المدى الطويل.

وهذه المناسبات تقوم بتأدية وظائف كثيرة ومتنوعة أشد التنوع، وهي تقدم فى بعض الأحيان بديلاً للتجديدات العصرية فى الحياة الاجتماعية. فاللقاء على شاطئ الترعة، أثناء غسل الأواني أو الملابس، واللقاء أمام “حنفية المياه” في الحي الشعبي في مدينة نامية، والالتقاء على موائد المقهى فى المدينة، أو أمام “دكان البقال” في القرية أو فى السوق، كل تلك المناسبات للتفاعل الاجتماعي تتيحها طبيعة الحياة بشكل طبيعي.

تتجدد فيها العلاقات، وتتبادل أطرافها الأخبار والإشاعات والآراء، وتتقوى فيها العلاقات أو تنمو فيها العدوات، وتتكون أحياناً فى ظلها علاقات بين فتى وفتاة يمكن أن تضمهما أسرة فى المستقبل وغيرها من العلاقات. إن تلك المناسبات قد تخلت في المجتمع الحديث عن بعض وظائفها لوسائل الاتصال الجماهيرية، أو للمؤسسات الحديثة مثل المدرسة، مؤسسات الترويح الحديثة وغيرها، ولكنها تظل من أهم الموضوعات التي ينبغي أن يوليها الباحث الأنثروبولوجي اهتمامه.


ولا يتصور للوهلـة الأولى أن المدينة الحديثة قد قضت عليها تماماً أو أبعدتها جانباً. فامتداد شبكات المياه داخل المنازل الحديثة فى الريف والمدينة، وبالتالي انتقال عمليات الغسيل والنظافة إلى داخل البيت، قلل فرص التفاعل التقليدية، وانتشار التليفزيون بعد الإذاعة في كل مكان من مجتمعنا المعاصر قد حطم الوظيفة الترويحية والإعلامية لتلك المناسبات التلقائية.

ولكننا نلاحظ مع ذلك أن تبدّل الظروف الاجتماعية، وإن كان قد أثر على أشكال بعض المناسبات ووظائفها، إلا أنه خلق في نفس الوقت أشكالاً أخرى ومناسبات جديدة لها حدود جديدة ووظائف متجددة، وجميعها جزء أساسي من اهتمام الباحث الأنثروبولوجي الجاد.



الأنثروبولوجيا كعلم إمبيريقي:

الأنثروبولوجيا كعلم إمبيريقي تناول الإشكاليات التي تتعرض لها الأنثروبولوجيا، حيث يأتي في مقدمتها استنادها في المرتبة الأولى على الفهم في تناول الظاهرة، ويصف البعض هذا الفهم بسمة ذاتية في تحليل الظواهر، بحيث ينعكس استيعاب الفاعلين على الباحث الأنثروبولوجي في فهمه للكثير من المصطلحات.

وهنا تظهر مشكلة الانعكاسية، بمعنى أن الباحث الأنثروبولوجي يعكس ذات الفاعلين وذاتيته، كذلك في تحليل الظواهر، لهذا تُفقد الموضوعية في الوسائل والأدوات البحثية، وهنا تظهر الإشكالية في مدى حدود الذاتية والموضوعية في الدراسات والبحوث الأنثروبولوجية. وذلك ما أدى إلى قول البعض أن الوسائل والأدوات البحثية في هذا العلم غير كافية، حيث أنها تعتمد على النص في تحليل وتفسير المعلومات الميدانية.

إضافة أن تكويد أو ترميز المواد الثقافية تعتبر نوع من الاستبدادية بسبب ذاتية البيانات التي جاءت عن نفس الإخباري أو نفس الباحث، ويوافقون على هذا الفكر لأن الثقافة لا تعتبر فقط قيم ومعايير ومصطلحات تنعكس على أفعال الأشخاص، إلا أنها هي أسباب أكثر منها معان. وتأتي هذه الادعاءت من جانب علماء الاجتماع، حيث أن تحليل النص لا يتوقف عند ذلك فقط، بل يبحث عن المفهوم وراء هذا النص في حدود المعرفة التي يكتسبها الشخص، وأيضاً في حدود البناء الاجتماعي الذي يضمه.