يتميزُ شهرُ رمضان عن غيرِه من أَشْهُر السنة عندَ المسلمين؛ وذلك لأنَّهم يقومون بأداء فريضة الصيام فيه، وينتظر المسلمون هذا الشهر بفارغِ الصبر؛ فالأجرُ فيه مضاعف، تُغْلَقُ أبوابُ النارِ وتُصْفَدُ الشياطين، لذلك تتعدد أشكال الطاعات في هذا الشهر، فيقرأ المسلمون القرآن ويتنافسون على ختمه، كما يزورون أرحامهم، ويُخْرِجُوا زكاةَ أموالِهم، ويعتكفون في المساجد، ويؤدُّون صلاة التراويح، ونَأخذُكم في هذا المقالِ في رحابِ شهر رمضان، وكلُنا رغبة في التّعرفِ أكثر على صلاةِ التراويح.
التراويحُ بين اللغة والاصطلاح
التراويح في اللغة هي جمع تَرْوِيْحَة، وهي الاستراحة القصيرة، وسُمِّيَتْ صلاةُ التراويح كذلك لأنَّ المسلمين كانوا يأخذن راحةً بعد كلِّ ركعتين من هذه الصلاة. وصلاةُ التراويح في الاصطلاح هي صلاةٌ يؤدِّيها المسلمون في شهرِ رمضان بعد صلاةِ العشاء، وهي من قيامِ الليل، وهي سنةٌ مؤكَّدةٌ عن الرسولِ صلى الله عليه وسلم، ويبقى وقتها مُتاحاً حتى ما قبلَ الفجر، وقد قام الرسول صلى الله عليه وسلم بصلاتها جماعة في المسلمين ليومين، وامتنع عن ذلك بعدها، ولمَّا سُئِلَ عن ذلك قالَ أنَّه يخشى أن تُفرضُ على المسلمين، فتُصبح ثقيلةً عليهم، وظلَّ الحالُ على ذلك حتى عهد أمير المؤمنين عمرَ رضي الله عنه، حيث وجد أن َّبعض الناس قد تكاسلوا عن هذه الصلاة فطلب أن يجتمع المسلمون لها وصلَّى المسلمون خلفَ أُبَي ابن كَعْب، ومنذ ذلك الحين تُصَلَّى التراويحُ جماعة في المسجد.
عدد ركعات صلاة التراويح
سُئِلَت السيدةُ عائشة رضي الله عنها عن قيامِ الرسول صلى الله عليه وسلم في رمضان، فقالت "ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان أو غيره على إحدى عشرة ركعة، يُصلي أربعة فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يُصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يُصلي ثلاثا"، فلم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أيّ حديث عن صلاة التراويح، ولكنَّها أُخِذَتْ من فعله، كما لم يثبت أنَّ هذا العدد وهو إحدى عشرة ركعة هو المفروض، ولكنَّ الأمرَ متاحٌ للمسلمين، فهناك من يُصلي إحدى عشر ركعة (ثمان ركعات تراويح، وثلاثة للشفع والوتر)، وهناك من يُصلي ثلاث وعشرون ركعة، وهناك من يصلي تسع وأربعون ركعة، وما بين ذلك وتلك، وكل ذلك متروكٌ لقدرةِ المسلم، ورغبته.
فضلُ صلاةِ التراويح
إنَّ صلاةَ التراويحِ لها شأنٌ عظيمٌ عند المسلمين، وذلك لأنَّها سنةٌ مؤكدةٌ عن الرسولِ صلى الله عليه وسلم وهي تُقَامُ في خيرِ شهور السنة، شهرُ الصيام، فالأجرُ في هذا الشهرِ عظيم، وقد حافظَ المسلمون على هذه الصلاة؛ لأنَّ فيها إحياءٌ لسنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهي تشغلهم بطاعةِ الله في هذا الشهر الكريم، فلا يشغلهم ما يعصي الله أو ما لا ينفع، فقيامُ ليل رمضان خير عمل يتقرب به العبد إلى ربه، ولا ننسى أنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم قد قرن القيام بالصيام، فقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنَّه قال "من قام شهر رمضان إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه وما تأخَّر"، وكما قلنا فإنَّ صلاةَ التراويحِ هي من القيام.
كيف تُصَلَّى التراويح
إنَّ صلاة التراويح تأتي بعد أداء صلاة العشاء، فيدخلُ المسلم إلى المسجدِ بنية القيام، حيثُ يصلي المسلمون أربع ركعات (صلاة العشاء)، ثم ركعتين (سنة العشاء)، ثم يقومُ الإمامُ فيصلي بالمسلمين ركعتين (قيام)، ثم ركعتين (قيام)، ثم يرتاح المسلمون، حيث يتخلل فترة الراحة موعظةٌ حسنة أو خطبةٌ قصيرة، ثم ركعتين (قيام)، ثم ركعتين (قيام)، ثم ركعتين (شَفَع)، ثم ركعة (وِتِر)، حيثُ يتخللُ ركعة الوتر دعاءٌ إلى الله، والإطالةُ في صلاة التراويح أفضل، وهناك من يزيد في الصلاة، وبين كلّ أربع ركعات ترويحة أو استراحة للمسلمين، فإذا وصلَ أحد المسلمين مُتأخِّرا إلى المسجد ووجدَ أنَّ الجماعةَ يصلُّون صلاة التراويح ولم يُصَلِّي العشاءَ فلهُ أن يختار بين أمرين:
- يُصلِّي مع الجماعة ولكن بِنِيَّة أنْ يُصلي العشاءَ أولاً، وبعد أنْ يُسَلِّمَ الإمام يُكْمِلُ هو الركعتين المتبقيتين من صلاة العشاء، وهذا الأمرُ احسن وأفضل من الأمر التالي.
- يُصلي العشاءَ بشكلٍ فردي، ثم يُدرك الجماعةَ فيُصَلِّي معهم ما تَبَقَّى من التراويح.
الإطَالةُ في صلاةِ التراويح
لقد كانَ المسلمون في عهد الصحابة وما بعدهم يُصلُّون صلاةَ التراويح ويتعمَّدون الإطالة فيها، حتى كان الأمر يصل إلى أنْ يبدأَ المسلمون صلاة التراويح بعد صلاة العشاء، وينتهون منها قبيل الفجر، وقد كان أُبَيُ بن كَعْب رضي الله عنه في عهد أمير المؤمنين عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه يُصَلِّي بالرجالِ فيطيلَ في الصلاة، حيث يقرأُ ثلاثين أية من طِوال السور، ومائتين أية من السور القصار أو ما يزيد، فكان المسلمون حينها يَسْتَحِبُّونَ الإطالةَ؛ لغاية ختم القرآن الكريم في هذه الصلاة، ولكنَّ الحال الآن تَغَيَّر، فيبدأ المسلمون بصلاة التراويح بعد صلاة العشاء، وينتهون منها بساعة ونيف، إلاَّ من رحم ربي، فيتعمد المسلمون عدم الإطالة، والغرض من ذلك هو أن يصل المسلمون أرحامهم قبل أن يتأخر الليل، ولا أقول عن ذلك أنَّه مرفوض أو غير جائز، ولكنَّ الاحسن وأفضل أنَّه إذا أراد الإمام الإطالة في القراءة قلَّلَ عدد الركعات على المسلمين، وإذا أرادَ عدم الإطالة يقوم بزيادة عدد الركعات، وفي كل الأحوال فإنَّ مبدأ الطمأنينة والتأنِّي يجب أن يتم تحقيقه في هذه الصلاة.
حضورُ النساء لصلاةِ التراويح
قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم " لا تمنعوا إماء الله من مساجد الله"، فمن الجائز أن تحضرَ النساءُ صلاة التراويح في المسجد، وقد كان تميم الداري رضي الله عنه يُصلِّي بالنساء في عهدِ عمرَ رضي الله عنه، فتذهب النساء إلى المساجد لتؤدي صلاة التراويح في جماعة ولكن بشرط، أن يكون هذا الأمر لا يُثير الفتنة، فتذهب المرأة إلى المسجد مُحجبة، غير مُتَبَرِّجَة، غير متطيبة، ولا تُبدي منها أيّ زينة، ولا ترفع صوتها في المسجد، ولا تتسامر مع النساء الأخريات في المسجد؛ لأن في كل ذلك إثارة للفتن، فيُصلي الرجال في الصفوف الأمامية وتُصلي النساء في الصفوف الخلفية، مع أهمية وفائدة تخصيص باب للنساء، والكثير من المساجد في وقتنا الحاضر تتكون من طابقين، فمن المُستحسن أن يخصص الطابق العُلوي للنساء، وإذا ما سلَّم الإمام تُغادر النساء المساجد من دون تأخير، والشيء الهام هنا ألاَّ تصطحب النساء الأطفال الصغار والرُضَّع؛ لكي لا تزعج المصلين في المسجد، فمن لم يبلغ ابنها الصغير سن التمييز الاحسن وأفضل لها أن تبقى في بيتها، لأنَّ رضيعها سوف يُشْغِلُ بالها طيلةَ الصلاة وسوف يزعج جميع المصلين من النساء والرجال.
والشائعُ في وقتنا الحاضر هو أنَّ إمام المسجد يُخصِّصُ لكلِّ يومِ قيامٍ جزءٌ من القرآن الكريم؛ حتى يختمه خلال صلاة التراويح في هذا الشهر المبارك، ولكن للأسف في العديد من المساجد نجدُ أنَّ المصلين يغادرون بعد أربع أو ثمان ركعات، فلا يُكملون صلاةَ التراويح مع الجماعة، إلاَّ من رحمِ ربي، وهناك العديد من الأمور التي تشغل بال المسلم في شهر رمضان كالتجارة، فأخي المُسلم، لا تُضَيِّع على نفسك الأجر، ودَاوِم على صلاة التراويح لِمَا فيها من منفعةٍ لكَ ولسائر المسلمين، ولا تجعل الدنيا تشغل بالك، فاترك اللعب واللهو والتجارة وقم بأداء صلاة التراويح، لأن شهرُ رمضان هو شهر الخير والبركات.