لم يخلق الله تعالى البشر أفراداً يعيشون بشكل منفرد، بل خلقهم ليكونوا ويعيشوا على شكل جماعات، فالإنسان لا يستطيع ان يعش وحده مهما حاول فعل ذلك، فهو دائماً يكون بحاجة إلى غيره وإلى إخوانه من البشر، لأن الإنسان غير قادر على ان يقوم بكافة المهام كلها وحدها، فعلى سبيل المثال لا يستطيع الإنسان ان يكون طبيباً ومهندساً وعالماً في الأرصاد الجوية، مع إمكانيته ان يكون عالماً بها جميعاً وملماً بكافة تفاصيلها، فهذا ليس بعجيب او غريب على العقل البشري إلا انه لا يستطيع أن يمتهن هذه المهن جميعها، ومن هنا كان لزاماً على الإنسان ان يكون قابلاً وقادراً على التفاعل والتعاطي مع الآخرين أياً كانت معتقداته أو أفكاره أو عرقه وما إلى ذلك من أمور مختلفة ومتنوعة.
إن بحث الإنسان عن التعاون هو الذي اضطره إلى أن يعيش في مجتمعات تحكمه، حيث نشأت هذه المجتمعات على أساس العوامل المشتركة بين الناس، ويوماً بعد يوم أخذت هذه المجتمعات بالتطور التدريجي فلم تقف عند حد الإنشاء فقط، فقد سعى الإنسان إلى قوننة حياته، عن طريق وضعه القوانين والتي تحدد من خلالها طبيعة علاقته مع باقي من يعيشون معه في مجتمعه مما أهله إلى أن يكون فرداً قادراً على تطوير نفسه وصقل قدراته حتى وصلت اليوم الدول إلى قمة الحضارة في ظل انتشار العديد من القيم والمفاهيم التي تنظم الدول، كمفهومات الدول المدنية والديمقراطية وما إلى ذلك من مفاهيم متعددة وهامة.
من هنا نرى أهمية وفائدة التعاون، فعبر كل هذه السنين، أخذ البشر بقطف ثمار تعاونهم إلى شيئاً فشيئاً، والملاحظ ان التعاون والسلام يتناسبان طردياً فكلّما كانت نسبة السلام عالية على إجمالي مساحة الكرة الأرضية، كلما كان التعاون بين البشر احسن وأفضل مما يؤدي إلى حصاد نتيجة هذا التعاون عن طريق تقاسمهم للحياة الهانئة، أما في حال كانت حالة الحرب والضغائن والأحقاد والمكائد والدسائس هي التي تسيطر على الكرة الأرضية كلما أبعد ذلك أشكال التعاون عنهم، وكلما دمر أيضاً ما بنوه في أوقات سلمهم.
المشكلة الرئيسية التي تواجه تعاون البشر وتوحدهم لما فيه مصلحتهم، هي تلك النفسيات التي ينضوون عليها، فعندما يحيق خطر جسيم بهم يتوحدون في صده، وعندما ينجحون في القضاء عليه ينسون كل ما مضى وينقلبون على بعضهم البعض فيعودون سيرتهم الأولى من الذيح والسلخ والسحل، فهذه الطبيعة هي التي تقف حائلاً وحاجزاً أمام ازدياد نسبة الاعمال المشتركة بينهم جميعاً.