ابن زريق البغدادي لا تعذليه
هو أبو الحسن بن زريق ,شاعر عباسي. قدم من موطنه الأصلي في بغداد الى بلاد الأندلس، حتى يجد فيها شيئا وفيرا من لين العيش وسعة الرزق ، و لكن الشاعر ترك له في بغداد زوجة يحبها أشد الحب و أكثره ، ، من أجل هذه الزوجة يهاجر بعيدا ويسافر طويلا ويغترب في بلاد الأندلس البعيدة كما ان الشاعر يجاهد من أجل تحقيق حلمه الكبير . لكنه يمرض في الأندلس ويشتد به المرض و تقترب منه نهايته و هو في أحضان الغربة و الهجرة .
لا تـعـذليـه فإن العـذل يـولـعـه
لا تَعـذَلِيـه فَإِنَّ العَـذلَ يُـولِعُـــهُ .......... قَد قَلتِ حَقـاً وَلَكِن لَيسَ يَسمَـعُـهُ
جـاوَزتِ فِي لومـه حَـداً أَضَـرَّ بِـهِ ..........مِن حَيـثَ قَـدرتِ أَنَّ اللوم يَنفَعُـهُ
فَاستَعمِلِـي الرِفـق فِي تَـأِنِيبِـهِ بَـدَلاً .......... مِن عَذلِهِ فَهُوَ مُضنى القَلبِ مُوجعُهُ
قَد كانَ مُضطَـلَعـاً بِالخَطـبِ يَحمِلُـهُ .......... فَضُيَّقَت بِخُطُـوبِ الدهـرِ أَضلُعُـهُ
يَكـفِـيـهِ مِن لَـوعَـةِ التَشتِيتِ أَنَّ لَهُ .......... مِنَ النَـوى كُلَّ يَـومٍ ما يُـروعُـهُ
ما آبَ مِن سَـفَـرٍ إِلّا وَأَزعَـجَـــهُ .......... رَأيُ إِلى سَفَـرٍ بِالعَـزمِ يَـزمَعُـهُ
كَـأَنَّما هُـوَ فِي حِـلِّ وَمُـرتـحــلٍ .......... مُـوَكَّـلٍ بِفَـضـاءِ اللَهِ يَـذرَعُـهُ
إِنَّ الزَمـانَ أَراهُ في الرَحِيـلِ غِـنـىً .......... وَلَو إِلى السَـدّ أَضـحى وَهُوَ يُزمَعُهُ
تـأبى المطـامـعُ إلا أن تُـجَـشّـمه .......... للـرزق كـداً وكم ممـن يـودعُـهُ
وَمـا مُجـاهَـدَةُ الإِنسـانِ تَـوصِـلُهُ .......... رزقَـاً وَلا دَعَـةُ الإِنسـانِ تَقطَعُـهُ
قَـد وَزَّع اللَهُ بَينَ الخَـلـقِ رزقَـهُـمُ .......... لَم يَخـلُـق اللَهُ مِن خَلقٍ يُـضَيِّعُـهُ
لَكِنَّهُـم كُلِّفُـوا حِـرصـاً فلَستَ تَـرى .......... مُستَرزِقـاً وَسِـوى الغاياتِ تُقنُعُـهُ
وَالحِرصُ في الرِزقِ وَالأَرزاقِ قَد قُسِمَت .......... بَغِيُ أَلّا إِنَّ بَغـيَ المَرءِ يَصـرَعُـهُ
وَالدهـرُ يُعطِـي الفَتى مِن حَيثُ يَمنَعُـه .......... إِرثاً وَيَمنَعُـهُ مِن حَيثِ يُـطمِعُــهُ
اِستَـودِعُ اللَهَ فِي بَغـدادَ لِي قَـمَــراً .......... بِالكَـرخِ مِن فَلَكِ الأَزرارَ مَـطلَعُـهُ
وَدَّعتُـهُ وَبـوُدّي لَو يُـوَدِّعُـنِــــي .......... صَـفـوَ الحَيـاةِ وَأَنّي لا أَودعُــهُ
وَكَم تَشبَّثَ بي يَـومَ الـرَحيـلِ ضُـحَىً .......... وَأَدمُعِـي مُستَهِـلّاتٍ وَأَدمُـعُـــهُ
لا أَكُـذبُ اللَهَ ثـوبُ الصَبرِ مُنـخَـرقٌ .......... عَنّي بِفُـرقَـتِـهِ لَكِـن أَرَقِّـعُــهُ
إِنّي أَوَسِّـعُ عُـذري فِي جَنـايَـتِــهِ .......... بِالبينِ عِنـهُ وَجُـرمـي لا يُوَسِّعُـهُ
رُزِقـتُ مُـلكـاً فَلَم أَحسِـن سِيـاسَتَـهُ .......... وَكُلُّ مَن لا يُسُـوسُ المُلكَ يَخلَعُـهُ
وَمَن غَـدا لابِسـاً ثَـوبَ النَعِـيـم بِلا .......... شَـكـرٍ عَلَيهِ فَإِنَّ اللَهَ يَنـزَعُـــهُ
اِعتـَضـتُ مِن وَجـهِ خِـلّي بَعدَ فُرقَتِهِ .......... كَأسـاً أَجَـرَّعُ مِنهـا ما أَجَـرَّعُـهُ
كَم قـائـِلٍ لِي ذُقـتُ البَينَ قُـلـتُ لَهُ .......... الذَنبُ وَاللَهِ ذَنبـي لَسـتُ أَدفَـعُــهُ
أَلا أَقـمـتَ فَـكـانَ الـرُشـدُ أَجمَعُهُ .......... لَو أَنَّنِي يَـومَ بانَ الـرُشـدُ اتبَعُــهُ
إِنّـي لَأَقـطَـعُ أيّـامِـي وَأنفـقُـهـا .......... بِحَسـرَةٍ مِنهُ فِي قَـلبِي تُـقَـطِّعُـهُ
بِـمَن إِذا هَـجَـعَ الـنُـوّامُ بِـتُّ لَـهُ .......... بِلَوعَـةٍ مِنهُ لَيلى لَستُ أَهـجَـعُــهُ
لا يَطمِئـنُّ لِجَنـبـي مَضـجَعـُ وَكَذا .......... لا يَطمَئِـنُّ لَـهُ مُـذ بِنتُ مَضجَعُـهُ
ما كُنتُ أَحسَـبُ أَنَّ الدهـرَ يَفجَعُـنِي .......... بِهِ وَلا أَنَّ بِـي الأَيّـامَ تَـفجـعُــهُ
حَتّى جَـرى البَينُ فِيما بَينـَنـا بِيَـدٍ .......... عَسـراءَ تَمنَعُـنِي حَـظّـي وَتَمـنَعُـهُ
قَد كُنتُ مِن رَيـبِ دهرِي جازِعاً فَرِقاً .......... فَلَم أَوقَّ الَّذي قَد كُـنـتُ أَجـزَعُــهُ
بِاللَهِ يا مَـنـزِلَ العَيشِ الَّذي دَرَسـت .......... آثـارُهُ وَعَـفَـت مُـذ بِنـتُ أَربُعُـهُ
هَـل الـزَمـانُ مَعِيـدُ فِيـكَ لَذَّتُـنا .......... أَم اللَيالِي الَّتـي أَمضـَتـهُ تُـرجِعُــهُ
فِي ذِمَّـةِ اللَهِ مِن أَصبَـحَـت مَنزلَهُ .......... وَجـادَ غَيثٌ عَلى مَغـنـاكَ يُمـرِعُــهُ
مَن عِنـدَهُ لِي عَهـدُ لا يُضـيّـعُـهُ .......... كَما لَهُ عَهـدُ صِـدقٍ لا أُضـَيّـِعُــهُ
وَمَن يُـصَـدِّعُ قَـلبـي ذِكـرَهُ وَإِذا .......... جَـرى عَلى قَلبِـهِ ذِكـرييُصَـدِّعُـهُ