عزيزي الله
في سنوات مراهقتي علموني أنّي سأعلق من شعري في جهنم، و أنّي خلال سَيري في طريق ما سيلعنني الشجر و الحجر و كل ما يوجد في الطريق. و كأني طوال ما حييت مكشوفة الشعر سأبقى خارج رحمتك، لا أعرف يا الله كيف استطاعوا أن يجعلوا لرحمتك حدود و أن يخرجونا و يدخلونا منها كما يشاؤون.
و عندما كنت أتوجه أحياناً للصلاة في المصليات العامة و كنت على ما يبدو لا أؤدي الصلاة شكلياً ببعض الحركات البسيطة فيها على أكمل وجه ، تتوجه إلي في كل مرة إحدى النساء لتخبرني بأن ما قمت به لا يجوز و حرام و يجب عليّ تصحيح الحركات. رغم أني كنت أستشعرك كثيراً في الصلاة، إلا أني و بعد أكثر من تنبيه و شعوري بأني لا بد أن أركز في الحركات ذاتها أكثر من الروحانية بدأ يتخلل صلاتي نوع من القلق على عكس ما يجب أن تكون.. و كأن ما يهم في الصلاة هو شكلها و ليس تلك الصلة الروحانية الخاصة جداً بينك و بين كل إنسان ضعيف منا.
علمونا جيداً أن التساؤل عنك و عن قدرك و أفعالك و محاولة فهمك و فهم الغيب لا يجوز. وكأنهم لا يعرفون بأن حب شيء أو شخص ما لا بد و أن يأتي مع الرغبة الشديدة بفهمه و معرفته و التساؤل الدائم عنه و عن أفعاله. قتلوا فينا التساؤل عنك يا الله و زرعوا مكانه الكثير من الخوف.
ألصقوا في عقولنا تلك الصورة عن الشخص المتدين و علمونا دون وعي أن نصنف الأشخاص لسيء و جيد بناءً على تلك الصورة، و علمونا بأن مصير كل مِنا مُحتم بناءً عليها، إما الجنة لمن تنطبق عليه الصورة أو جهنم لمن لا يلتزم بها. لا أعلم كيف تجرؤوا على التدخل في حكمك يا الله.
علمونا بشكل مباشر و غير مباشر أن الهدف هو الوصول للجنة و تجنب النار.. و في الحقيقة الهدف الوحيد هو أنت و فقط أنت.
جعلونا نقدس العبادات قبل أن نقدسك.. نفهم العبادات و ربما أيضاً بشكل غير صحيح قبل أن نفهمك.. علمونا أن نعتقد بأننا مبصرون في حين كنا عميان جداً. أفكر أحياناً يا الله.. كيف يكون لوصولك أنت الواسع الجميل العظيم طريق واحد كما علمونا؟ كيف أحاطوا الطرق ووسائل إليك بمئات القوانين و القواعد كالأصنام على حافة طريق طويل و أمرونا بتقديسها بدل حَثِنا بالاستمرار في الطريق باحثين عنك و عن نورك؟
أنا يا الله لم أعد أقتنع بكثير مما علمونا.. فجأة وجدت نفسي تائهة، ضائعة، أصلي أصوم ألتزم بما استطعت من عبادات لمجرد إسقاط فرض.. و في مرحلة ما شعرت بخجل هائل لالتزامي بواجبات اتجاهك فقط من باب الاعتياد أو من باب اسقاط ما علي من واجبات كمن يفعل أمر ما دون شغف أو صدق أو حتى من باب خوفي من العذاب.
لا أريد ذلك يا الله، أريد أن أشعر بأني وُلدت مجدداً، بأني أقوم بكل شيء لأجلك فقط. لا رغبة بجنة و لا خوفاً من نار. لا تقديساً للعبادات و للفتاوي و الحرام و الحلال بل تقديساً لك أنت. أريد أن أصلي و أصوم و أُعطي و أحب و أجوب الأرض ناشرةً الخير رغبةً بك. في سبيل حبك.. لا رُعباً من غضبك و إخراجك لي من رحمتك.
أجدك يا الله في نجوم سماء الليل المتناهية الوُسع.. في نسيم الهواء.. في الشروق و الغروب الآسر.. في ابتسامة أؤلئك الضعفاء.. في صوت العصافير الذي يلمس روحي.. في عطف أمي اللامتناهي.. في الحب و في موسيقى عظيمة يقشَعِرُ لجمالها بدني.. في لحظة حمد صادقة لإنسان فرجت عنه برحمتك كرباً.. أجدك في كل شيء.. فجدني يا الله.. جدني من تيهي عنك.. من طريقٍ ظننتها تؤدي إليك أسلكها دون حب.. دون شغف.. جدني يا الله.. وضعني على طريق حبك المطلق، الصادق النقي الخفيف.. و اجعلني أطفو بسلام في هذه الدنيا عارفةً أني جئت منك و سأعود إليك.. فأنت البداية و النهاية.. و كل شيء..