مقدمة
لطالما سمعنا عن تعرّض أحد لاعبي كرة القدم لحادثة بلع اللسان، وهو الأمر الذي يحدث أيضاً للأشخاص الذين يتعرّضون لحوادث طرق ووسائل أو عمل، أو صدمات نفسيّة وعصبيّة، أو حالات تشنّج، جميعها قد تؤدّي لأن يبلع الإنسان لسانه. لكن ما طبيعة بلع اللسان؟ وكيف يكون؟ وتعرف على ما هى الطرق ووسائل الصحيحة للتعامل مع الشخص الذي يتعرّض لمثل هذا الحادث؟ وما النتائج المترتبة عن المُعالجة الفوريّة بطريقة خاطئة؟ هذه الأسئلة وغيرها سنتعرّف عليها في المقال التالي.
اعتقادنا أنّ بلع اللسان يحدث بالمعنى العام لهذا المصطلح، أي أن يسحبه إلى حلقه، كالطعام تماماً، هو اعتقاد خاطئ، ولكي نفهم طبيعة بلع اللسان، يجب أن نعرف أولاً طبيعة دخول الهواء إلى أجسامنا، فالهواء حينما يدخل إلى جسم الإنسان ليصل إلى الرئتين يدخل عن طريق مجريين رئيسيين، وهما الأنف أو الفم، ثم إلى البلعوم، وعن طريق القصبة الهوائيّة يدخل إلى الرئتين.
كيف يبلع الإنسان لسانه
لكن، ما علاقة اللسان بآليّة التنفس هذه؟ اللسان مثله مثل أي عضلة في جسم الإنسان، يحدث لها عمليّة ارتخاء حينما يدخل الشخص في غيبوبة، فحينما يُصاب أي شخص بغيبوبة عميقة ترتخي كافة عضلات الجسم بما فيها عضلة اللسان، بل إنّ اللسان هو أول عضلة تصاب بالارتخاء حالة الغيبوبة، وعند ارتخاء عضلة اللسان، ترتخي قاعدته الخلفيّة لتسد مجرى الهواء، فترجع القاعدة إلى الوراء حوالي 3 سم، وتمنع دخول الهواء تماماً إلى الرئتين، وهو ما يؤدّي إلى الاختناق الذي قد يُسبب الموت.
إذاً، اللسان هو من قام بسد مجرى الهواء بسبب ارتخائه، السؤال الذي يطرح نفسه، كيف لنا أن نُعيد اللسان إلى مجراه الطبيعي؟، هل نمد أيدينا في فم الشخص المصاب ونخرج اللسان إلى الأمام؟، أم نرفع رأسه للأعلى؟، أم نضعه في وضعيّة مائلة إلى أحد الجانبين؟ فكرة إمالة الشخص إلى الجنب أو هز رأس المُصاب فكرة خطيرة جداً، لأنّه أساساً فقد وعيه لأنّه أصيب إصابة خطيرة في رأسه، بالتالي بلع لسانه، فمن الخطر جداً تحريك الدماغ أو الرقبة أو العمود الفقري حركة عنيفة؛ لأن ذلك قد يضر المُصاب ولا يفيد نهائيّاً.
طريقة علاج و دواء حالة بلع اللسان
الطريقة الصحيحة لمعالجة الشخص الذي يبلع لسانه، وفتح مجرى الهواء المقفول بسبب بلع اللسان تتم من خلال تحريك رأس المُصاب إلى الخلف بشكل ربع دائري، بالتالي فإنّ قاعدة اللسان سوف تُشد بهذه الحركة إلى الأعلى، ويُفتح مجرى الهواء مرة أخرى، ويدخل الهواء إلى الرئتين بصورة صحيحة وتفوّت الفرصة على حدوث حالة اختناق.
بشكلٍ دقيق، فإنّ طريقة تحريك الرأس للخلف تتم من خلال وضع يد على جبهة المصاب، واليد الأخرى على الذقن من الأسفل، وتحريك الرأس بشكل لطيف من خلال دفع الجبهة والذقن في نفس الوقت إلى الوراء، في حالة تعذّر فتح مجرى الهواء للشخص الذي بلع لسانه لأي سبب كان، يجب وضع أنبوبٍ مُعقّمٍ بغرض مساعدة المصاب على التنفس، لحين حل المشكلة بالطريقة الصحيحة.
هذه الطريقة يجب علينا جميعاً أن نتعلمها، ليس فقط للتصرّف في حالة بلع لاعب كرة قدم لسانه فقط، بل لمعالجة أي شخص قد يُصادفنا وقد فقد وعيه، سواء في الشارع، أو في شجار، أو في حادثة سيارة، أو عمل، كما يجب منع أي شخص من التجمهر حول المصاب، أو تحريكه والتصرف معه بطريقة غير طبيّة مُتقنة.
ما هى اسباب التعرّض لبلع اللسان
كثيراً ما نرى أشخاصاً كباراً في السن يصدرون أصواتاً تُسمّى "الحشرجة"، وهذا الصوت ناتج عن إغلاق مجرى الهواء بسبب بلع اللسان، في الحقيقة هذا الشخص يكون في حالة اختناق شديدة؛ لأنّ لسانه سدّ مجرى الهواء لأنّه في حالة غيبوبة وعضلة اللسان مرتخية تماماً، بالتالي المطلوب فتح مجرى الهواء مرة أخرى بنفس الطريقة التي ذكرناها آنفاً.
من الما هى اسباب الأخرى التي تؤدّي لبلع اللسان الضربات التي تُصيب الرأس وتعمل على ارتجاج الدماغ، وهو الأمر الذي يؤدّي إلى خلل في وظيفة الدماغ، وزيادة التحفيزات الكهربائية للدماغ، واختلاجات عصبية تؤدّي بدورها إلى بلع اللسان، إضافةُ إلى ذلك، فإنّ الأشخاص الذين يُصابون بقصور في الدورة الدموية مثل الرجفان الأذيني، قد يتعرضون لحادثة بلع اللسان، واختلاجات عضليّة. كما أن هبوط نسبة السكر في الدم إلى المستوى دون الطبيعي.
الإصابة بكسر في الجمجمة
السؤال الذي يطرح نفسه، لو أن هناك شخصاً فقد وعيه، وهناك احتمالية كبيرة لكسر في العمود الفقري، أو في قاع الجمجمة، وفقد وعيه في نفس الوقت نتيجة سقوطه من علو، أو تعرض لضربة قوية في الظهر أو الرأس، فهل ينفع أن أتبع الطريقة المذكورة سابقاً حتى أقوم بفتح مجرى الهواء لهذا الشخص مرة أخرى، وأحول دون أن يبلع لسانه؟
للأسف، سيكون من الخطر جداً تحريك هذا الشخص بوضع الإفاقة الذي تحدثنا عنه في حالة الإصابة ببلع اللسان، لأن هذا قد يُضاعف الكسر الموجود في الجمجمة أو العمود الفقري، وهكذا نكون قد أضرينا الشخص أكثر من نفعه، لكن، لا بدّ من وجود طريقة أخرى نفتح بها مجرى الهواء، ونضمن عدم حدوث اختناق، وهذه الطريقة تتلخص في دفع الفك الأسفل لها الشخص إلى الأمام، وبالتالي فإن الفك سيأخذ معه قاعدة اللسان إلى الأمام، ويمنع الاختناق، أو بلع اللسان.
بمجرد خروج الفك السفلي إلى الأمام، عن طريق دفعه من الخلف بتروٍ إلى الأمام، دون تحريك الرقبة أو العامود الفقري؛ فإنه سيسحب معه قاعدة اللسان التي تكون قد أغلقت مجرى الهواء إلى الأمام معه، وهنا نمنع الاختناق، وننقذ هذا الشخص دون التأثير ونتائج على إصابته إن كانت في الرأس أو في العامود الفقري، لحين حضور فريق طبي متخصص يعمل على نقله بطريقة صحيحة.
لشرح هذه الطريقة بشكلٍ دقيق، تأمل معي عزيزي القارئ: نقوم بوضع أيدينا الاثنتين أسفل الفك عن زاوية الفك من الأسفل، ونضع أصبع اليد الكبير على الخدين، ومن ثم ندفع الفك السفلي إلى الأمام بهدوءٍ وبشكلٍ متزامن مع وضع اليد كما الطريقة السابقة، وبهذه الطريقة نكون قد فتحنا مجرى الهواء دون تحريك العمود الفقري نهائياً.
على فرض أنني لم أتمكّن من دفع الفك السفلي إلى الأمام، مهما كان السبب، ماذا أفعل؟ هل أترك المريض لأن هناك احتمالية بإصابته بكسر في العمود الفقري أو الجمجمة، بالتالي سيختنق؟؟ بالتأكيد لا، وفي هذه الحالة نقوم بوضعه في وضع الإفاقة الذي ذكرناها في أول هذا المقال، أي على اعتبار أنه بلع لسانه وليس مصاب بكسرٍ أو شيء، وهنا نكون قد فعلنا أقل الضررين، ونضمن على الأقل أنه لن يموت مختنق من سقوط اللسان في البلعوم.
إنّ أيّ مريض فاقدٌ للوعي لا يجوز تركه مستلقٍ على ظهره، إمّا أن نفتح مجرى الهواء بالطريقة الأولى ونبقى بجانبه، أو أن نضعه في وضع الإفاقة لحين حضور فريق طبي متخصص.، ويجب أن نتذكّر دائماً بأن حركة بسيطة –طريقة علاج و دواء الشخص الذي يبلع لسانه-قد تكون سبباً في إنقاذ حياة شخص آخر، وممكن في نفس الوقت نتيجة عدم العلم بهذه الطريقة أو طبيعة بلع اللسان أن نتسبب بالوفاة لشخص مُصاب عن دون قصد، وكما قال سبحانه وتعالى: (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا). (المائدة 32).