عندما اصطفى الله تعالى من البشر أنبياءً ومرسلين جعل لهم عددًا من الخصائص ليست كغيرهم من البشر، فالله سبحانه وتعالى يخيّر أنبياءه عند الموت في قبض أرواحهم، كما يدفنون في مكان موتهم وقبض روحهم، ولا تأكل الأرض من أجساد الأنبياء ذلك بأنّ أجسادهم مكرّمةً مثل أجساد الشّهداء، وقد تكلّم الكثير من النّاس قديمًا وحديثًا عن قبور الأنبياء وأماكنها، فأين هي تلك القبور ؟، ولماذا أخفى الله تعالى أغلب قبور الأنبياء؟.
ذكرت بعض الرّوايات أنّ سيّدنا آدم عليه السّلام دفن في الهند، وروايات أخرى تقول بأنّه دفن في مكّة المكرّمة، وأخرى أنّه دفن في بيت المقدس، وقد استند القائلون بذلك إلى عددٍ من الرّوايات التّي لم تصح نسبتها إلى النّبي عليه الصّلاة والسّلام ومنها قوله أنّ جبريل عليه السّلام قد صلّى على آدم مع الملائكة وأنّه دفن في مسجد الخيف، وهناك روايات تقول إنّ مائة وخمسين ألفا نقلوا جثته من الهند إلى بيت المقدس ليدفن هناك إلى جانب الصّخرة المشرّفة وهذه الرّواية أيضًا لا تصحّ نسبتها، والحقيقة أنّ قبر آدم عليه السّلام لا يُعرف مكانه.
كما ذكرت روايات عن أماكن قبور عددٍ من الأنبياء منهم نوح عليه السّلام حيث قيل أنّه في جبل لبنان، أو شعيب عليه السّلام الذي قيل أنّه دفن في العراق أو الأردن، وكذلك قبر سيّدنا يحيى وزكريّا عليهم السّلام في حلب والشّام عند الجامع الأموي، والحقيقة أنّ كلّ تلك الرّوايات لا تستند على دليل يثبت مدى صحّتها بل هي مجرّد تخمينات من صنع البشر.
ومن الأحاديث الصّحيحة عن النّبي عليه الصّلاة والسّلام أنّه وفي ليلة ما أُسريَ به مرّ بقبر موسى عليه السّلام فوجده يصلّي وقال بأنّه عند الكثيب الأحمر بدون أن يحدّد عليه الصّلاة والسّلام مكانه، فعلم أنّ قبره في الطّريق بين مكّة وبيت المقدس بدون تحديد لذلك.
أمّا ما ثبت تحديده من قبور الأنبياء فهو قبر سيّدنا محمّد عليه الصّلاة والسّلام وهو في المدينة المنوّرة، وكذلك على الرّاجح من أقوال العلماء والمؤرّخين قبر سيّدنا إبراهيم الخليل عليه السّلام أمّا سواهم من الأنبياء فلا يصحّ تعيين قبورهم.
وقد أخفى الله تعالى أماكن قبور الأنبياء لحكمةٍ بالغة، فلو عرف كثيرٌ من النّاس قبور أنبيائهم لاتخذوها معابداً لهم تُعبد من دون الله تعالى وخاصّّةً الأقوام الذين ضلّوا عن السّبيل وتنكّبوا الصّراط مثل اليهود والنصاري، أمّا أمّة الإسلام فإنّها تزور قبر نبيّها عليه الصّلاة والسّلام بدون تقديسٍ أو مجاوزة الحد.