يشير المولى عز وجل في محكم التنزيل إلى قضية تكذيب الرسل للأنبياء ، و في أكثر من موضع من الكتاب الكريم ، فيقول جل من قائل : ( كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ) و في آية أخرى ( كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ ) و في أخرى ( كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ المُرْسَلِينَ ) و أخرى ( كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ ) و ( كَذَّبَتْ ثَمُوْدُ المُرْسَلِينَ )و يخاطب الله سبحانه و تعالي نبي الإسلام سيدنا محمد عليه الصلاة و السلام بقوله تعالى : ( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ).
إن دراسة الآيات أعلاه تبين لنا أن قضية تكذيب الرسل ثابتة معروفة منذ غابر الأمم و حتى خاتم النبيين محمد صلى الله عليه و سلم ، و أن أمما كثيرة قد بادت قد كذبت برسل الله عز و جل ، و في آية يخاطب الله تعالى فيها سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم يتضح لنا السبب وراء ذلك التكذيب ، فالتكذيب ليس مقصوداً لذاته ، فكل الأقوام الذين كذبوا الرسل ليعلمون في قرار نفوسهم صدق دعوة الرسل ، وأنهم لا يكذبون فيما يبلغون عن ربهم ، و لكن سبب تكذيبهم لهم هو الحفاظ على مصالهم الدنيوية التي سوف يهددها الإيمان بالرسل هؤلاء ، فالإيمان بالرسول يعني الإيمان بالله تعالى المرسل للرسول ، و الإيمان بالله تعالى يستتبع عبادته و طاعته في شريعته و إمتثال الأمر الإلهي و بالتالي تقويض مصالح هؤلاء الكفار والتي تقوم على الإستعلاء و الإستبداد و الإستعباد و الإستقواء و كل ذميمة أخرى ، و هذا كله إن هم آمنوا فسينسف نسفا لتعارضه مع التشريع الإلهي ، و هم ( الكفار ) بذلك عالمون و لكنهم جاحدون ، فالكافر يرفض فطرة الإيمان داخل قلبه و يحاول طمسها دائما ، وإنما معنى الكفر في أصل اللغة الستر و الجحود ، و بذلك فإنه لا ستر إلا لموجود و لا جحد إلا لموجود ، فالإيمان موجود كفطرة في كل نفوس البشر ، و لكن الكافر إختار جحده توهما بالإبقاء على مصالحه الدنيوية ، ثم إن فريقا من الكفار لجأ للشرك ظانا - بغباء فاحش - أنه سيكون له من دون الله ولي أو نصير !