لا شكّ بأنّ العمل والسّعي لطلب الرّزق هو من متطّلبات تعمير الأرض وإصلاحها، كما أنّ تحقيق استخلاف الله تعالى للإنسان على الأرض يوجب مفهوم وتعريف ومعنى الدّيناميكيّة في الحياة؛ حيث يسخّر النّاس بعضهم البعض من أجل تعمير الأرض ونفع أنفسهم، وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده بالعمل؛ حيث قال جلّ وعلا (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مناكبها وكلوا من رّزقه وإليه النّشور )، كما حثّ النّبي عليه الصّلاة والسّلام على العمل وبيّن الأجر المترتّب عليه بقوله (من بات كالّا من عمله بات مغفورًا له ) .
وقد بعث الله سبحانه من عباده رسلاً من البشر واصطفاهم على النّاس، وعلى الرّغم من أنّهم كانوا يحملون أعظم مهمّة وهي مهمّة تبليغ النّاس رسالة الدّين والشّريعة إلا أنّهم كانوا في حياتهم يمارسون ما يمارس البشر، فهم يأكلون ويشربون ويمشون في الأسواق ويعملون ويبذلون الوسع والطّاقة من أجل تحصيل لقمة عيشهم، فنبيّ الأمّة محمّد عليه الصّلاة والسّلام الذي هو خير البشر كان قبل البعثة يعمل بالتّجارة؛ حيث تزوّج السيّدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فأوكلته بمهمّة رعاية تجارتها وأموالها، فكان النّبي عليه الصّلاة والسّلام خير من يمارس تلك المهنة بفضل الأمانة والصّدق التي كان يتمتّع بهما، لذلك نمت تجارة خديجة وازدهرت، كما رعي النّبي عليه الصّلاة والسّلام الغنم في فترةٍ من فترات حياته .
وكذلك الأنبياء جميعاً عليهم احسن وأفضل الصّلاة والتّسليم؛ فقد مارس كلّ واحدٍ منهم مهنة من مهن الدّنيا، وعلى الرّغم من عدم وجود روايات موثوقة عن مهن جميع الأنبياء إلا أنّها تُستنبط من القرآن الكريم والسّنّة النّبويّة الشّريفة إشارات أو دلالات لمهن بعضهم، فسيّدنا نوح عليه السّلام وكما ورد في القرآن الكريم كان يصنع الفلك أي السّفينة التي حمل فيها من كلّ زوجين اثنين، ثمّ حصل ما حصل من الطّوفان ونجاة القوم المؤمنين، هذا يدلّ على أنّه كان يمارس مهنة النّجارة، وكذلك نبي الله داود عليه السّلام؛ حيث ذكر في القرآن الكريم قوله تعالى (وعلّمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون)؛ حيث كان عليه السّلام يصنع الدّروع وغير ذلك، كما روي أنّ نبيّ الله إدريس عليه السّلام كان خيّاطًا يخيط الثّياب وقيل إنّه أوّل من صنعها من بعد أن كان النّاس يلبسون جلود الحيوانات، وممّا يُروى كذلك ولم يصحّ أنّ نبي الله إبراهيم عليه السّلام كان بزّازًا أي تاجر أقمشة عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين.