لا شكّ أن الرزق يشغل كلّ واحد منّا ، ويسعى دائماً إلى الحصول عليه، لضمان سلامة العيش واستمراريته ، وهذا من الأمور التي أكّد عليها الشارع الحكيم جلّ جلاله ، إذ أمرنا بالسعي في طلب الرزق ، ولكن فيما أحلّ الله لنا ، وفيما تتحمله طاقاتنا، فلا يشغلنا طلب الرزق عن عبادة الله ، أو يُلهينا عن حاجاتنا من الراحة وتواصلنا مع الآخرين من الأرحام وذوي القربى.
موضوع كيف يرزق الله عباده لن يكون كيف تكسب رزقك ، وكيف تبحث عنه ، وتعرف ما هو العمل الذي يناسبك ، وترى فيه قدرة على الإنتاج، وبالتالي وفرة الرزق ،كما أن موضوع الرزق أيضاً ، لا يقتصر على المال والعقارات ، وإنّما يتعدّاه إلى رزق الذريّة ، ورزق الصحّة ، والإستقامة ،والعافيّة ، والعلم ،ومحبّة العالمين لك ، لذا فكيف يرزق الله عباده ، هي أسرار كشفها رب العالمين لنا حتّى نتعلّمها ، ونستقيم عليها طاعةً لله ، وإمتثالا لأمره ، فبالدرجة الأولى نحمد الله على رزق الإيمان به ، والذي لا يتهيأ إلّا لمن أراد له الله الخير في الدنيا والآخرة.
نقول بدايةً أنَّ من ما هى اسباب الرزق بعد الإيمان بالله عز وجلّ ، هو المواظبة على الصلاة ، والحرص عليها ، أنت وأهل بيتك ممّن تقع عليك مسؤوليتهم ورعايتهم ، ففيها توكّل الله بحفظ رزقك وضمانه، وذلك نستنبطه من قول الله تعالى : {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}- سورة طه ، وهذا من أعظم موجبات الرزق من الله تعالى وهو المحافظة على الصلاة .
ومن ما هى اسباب وموجبات الرزق أيضا كثرة الاستغفار ؛ لأن الذنوب تمحق البركة ، وتمنع الرزق ،وبزوال هذه الذنوب تحلّ عليك رحمة الله ، ولا يكون ذلك إلّا بالإقبال عليه تائباً ، منيباً ، مستغفراً ، تطلب منه المغفرة والرحمة ، وهو ربّ رحيم كريم ، غفّار جلّ جلاله وتقدّست أسمائه ، فالإستغفار يجلب رزق المال والأولاد ، والغيث ، والبركات ، كتعرف ما هو القانون الإلهي الذي لا يتغيّر، حين قالها سيدنا نوح عليه السلام لقومه ، كما في الآية القرآنية الكريمة : { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا. يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}-سورة نوح.
ويرزق الله عباده حين يتوكلون عليه توكّلاً حقيقياً ،لا تواكلاً بالقول وتقاعساً في العمل ، وكذلك الإيمان بمقتضيات الرزق ، وأنّه من عند الله ، وذلك كما جاء في الحديث النبويّ الشريف : { قال عليه الصلاة والسلام: لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً} رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني، ويرزق الله الصالحين ويتولّاهم ، فهو كما قل جلّ جلاله { وهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ } ، ويمتدّ الرزق بصلاحك إلى ذريتك ، كما جاء في قصة موسى عليه السلام مع الخضر ، ذلك الرجل الصالح في سورة الكهف ، حين عالجوا جداراً يُريد أن ينقضّ وينهدم ، فأقامه الخضر، وذلك حفظاً لرزق الأيتام والضعاف ، الذين تولّاهم الله عزّ وجل بسبب صلاح أبيهم حتى بعد موته حين قال : {وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك }.
وختاماً لا تنسى أن الدعاء والطلب من الله عز وجل بإغداق الرزق ، وذلك بعد الأخذ بأسبابه ، هو باب من أبواب الرزق الواسعة ، فزكريا عليه السلام دعا ربه في المحراب برزق الولّد الصالح ، فرزقه الله بيحيى عليه السلام ، وكذلك دعا إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ، حين رفعا القواعد من البيت ، بالذريّة المسلمة ، وإتمام نعم الإيمان عليهما ، هذا كان منهج الأنبياء في التوسّل إلى الله عزّو جل ، والدعاء والرجاء ، والطلب من الله تبارك وتعالى في كل أمر ، وحريّ بنا أن نقتفي أثرهم ونجأر إلى الله بطلب الرزق الطيّب في الدنيا ، والنجاة من عذابه وسخطه في الآخرة.