كانت الأمم السّابقة في عهد ما قبل الإسلام و في الجاهليّة تعيش في غياهب الضّلال و التّيه ، فقد كان الإنسان تمتهن كرامته و يستعبد بشكلٍ مهينٍ ، فجاء الإسلام ليحرّر الإنسان و ليضع الشّرائع و القوانين التي أعطت للحضارات درساً و نموذجاً في الرّقي الأخلاقي و الاجتماعي ، فسمت مبادئ الإسلام على كلّ الأفكار التي امتهنت الإنسان و ضيّعت حقوقه ، و صدحت حناجر الدّاعين لرفع الظّلم عن الإنسان مهما كانت مكانته و منزلته ، و أصبح صدى كلمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه تتردّد في مشارق الأرض و مغاربها ، و يتلقّفها كلّ ملهوفٍ ينشد تحقيق العدالة و المساواة بين البشر ، حين قال رضي الله عنه متى استعبدتم النّاس و قد ولدتهم أمهاتهم أحراراص .
و قد حاصر الإسلام قضيّة الرّقّ أيّما حصار ، و شدّد عليها الخناق ، فلم يبح الإسلام وجودها إلاّ في حالةٍ واحدةٍ و هي حالة الحرب ، حين يجتمع الأعداء لمحاربة المسلمين ، فإذا تمكّن قائد المسلمين من أسر عددٍ من الكافرين ، فإنّه مخيرٌ بتحديد مصير هؤلاء المحاربين لدين الله و دعوته ، فإمّا أن يقتلهم أو يعفوا عنهم ، أو أن يفتدوا أنفسهم ، أو أن يكونوا رقيقاً تجري عليهم أحكام الرّقّ في الإسلام ، فإذن الإسلام لا يجيز هذه المسألة إلا من هذا الوجه فقط ، فالرّقّ أداةٌ أجازه الله سبحانه استعمالها للحاكم المسلم في لحظاتٍ و ظروفٍ معيّنةٍ ، عقوبة لمن حاول إطفاء نور الله و محاربة دينه .
و بالإضافة إلى أنّ الرّقّ لم يجز في الإسلام إلاّ في حالاتٍ ضيّقةٍ جداً ، فقد حثّ الإسلام على حسن معاملة الرّقيق و نهى عن تعنيفهم أو إيذائهم ، كما رتّب الإسلام أجراً لمن يعتق رقبة ، و كانت هناك كثيرٌ من الكفّارات هي عتق رقبة ، ككفارة الظّهار و كفارة اليمين و غيرها ، كما حثّ الإسلام على مكاتبة الرّقيق إن علم المسلم فيهم خيراً ، و المكاتبة هي اتفاق بين العبد و سيّده على أن يصبح حراً إذا أفتدى نفسه بجهد أو مال .
و أخيراً لم ينصف الإنسان و البشريّة إلا شريعة الإسلام الرّبانيّة التي جاءت لإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد ، و لا ريب أنّ عبادة العباد هي العبوديّة الحقيقيّة .