مقدمة
لم يتهاون الرسول وأصحابه منذ هجرتهم إلى المدينة المنورة في محاربة المشركين، حيث إنّهم كانوا مستمرين في الفتوحات الإسلامية والتي كانت تتوالى خلف بعضها البعض، ولكن كانت نفوس المسلمين جميعهم معلقة في مكة المكرمة التي خرجوا منها غصباً، وكانوا دوماً يحدثون أنفسهم في فتح مكة، والعودة مرة أخرى إليها.
كيف تم فتح مكة
صلح الحديبية (ما قبل الفتح)
كما نعلم بأن المسلمين غادروا مكة إلى المدينة المنورة هرباً من كفار قريش، وبالتالي فهم لم يستطيعوا العودة إلى هناك مرة أخرى، ولم يتمكنوا من الحج لسنوات عديدة، وذلك خوفاً من غدر المشركين.
ولكن في إحدى الليالي رأى الرسول في المنام أنّه يدخل إلى مكة المكرمة مع مجموعة من الصحابة، فهم في اليوم التالي طالباً من أصحابه أن يستعدوا من أجل زيارة مكة المكرمة لأداء العمرة، وأثناء مسيرته إلى مكة المكرمة ووصل الخبر إلى أهل قريش، فأسرعوا بإرسال خالد بن الوليد مع مجموعة من المشركين من أجل محاربة الرسول وأصحابه وصدهم عما جاءوا من أجله، ولكن الرسول اتخذ طريقاً أبعد من أجل تفادي مواجهة خالد وأصحابه، وبعد أن وصل الرسول وأصحابه إلى منطقة الحديبية وحط بها، وكان الرسول لا يحمل معه أي سلاح سوى الأسلحة التي يحملها المسافر وهي السيف.
وعندما وصل أمرهم لأهل قريش بدأوا بإرسال الرسل إلى الرسول محمد، وكان الرسل يجيب في كل مرة أنه جاء قاصداً زيارة بيت الله من أجل أداء العمرة، وأنه لم يأتي من أجل قتال، ولكن قريش كانت خائفة منهم كثيراً.
أرسل الرسول إليهم عثمان بن عفان من أجل مفاوضتهم، وبدأ تنتشر أخبار بأن عثمان بن عفان قتل على أيدي المشركين، وهنا بدأ الغضب يدب أوساط المسلمين، وفي تلك اللحظات قام الرسول بعقد مبايعة على من كان معه، وقاموا جميعهم بمبايعة الرسول ما عدا جدد بن قيس، وأطلق على هذه البيعة اسم (بيعة الرضوان).
ولكن بعد التأكد من سلامة عثمان بن عفان، قامت قريش بإرسال رسولها سهيل بن عمرو من أجل توقيع صلح مع الرسول محمد وأصحابه، وهذا الصلح لمدة عشر سنوات، وتنص هذه المصالحة على ألا يتم حدوث أي معارك بين المسلمين والمشركين، وقد كانت بعض الأطراف مشاركة في الصلح، وهي قبيلتي خزاعة التي كانت في صالح الرسول وأصحابه، وقبيلة بنو الدئلي بن بكر التي كانت في صالح المشركين.
نقض الصلح
كانت هناك عداوة قديمة بين أهل بنو الدئلي، وأهل بنو خزاعة وكان هذا الأمر قبل مجيء الإسلام، واشتغل بنو الدئلي أمر الصلح من أجل الغدر بأهل خزاعة والثأر منهم، وانقضوا عليهم ليلاً وقاموا بقتل العديد منهم، ومحاصرتهم في بيتوهم، وكانت قريش قد مدت بنو الدئلي بالسلاح وبالمقاتلين من أجل الحصول على النصر على أهل خزاعة، وعندما وصل الخبر إلى الرسول وأصحابه بأمر قريش وبما فعلته، فقام الرسول بإرسال رسول إلى أهل قريش يأمرهم بأن يدفعوا دية لأهل خزاعة أو أن يتأذنوا بالحرب عليهم، وذلك بسبب تحالفهم مع أهل بنو الدئلي.
خافت قريش من هذا الأمر، وقامت بإرسال أبي سفيان إلى الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) من أجل أن يقوم بتجديد الصلح مع الرسول، وذلك منعاً لحدوث حرب كانت نتيجتها واضحة من قبل إبرامها، فجاء أبو سفيان إلى الرسول وطلب منه الأمر، ولكن الرسول لم يجبه وبقي صامتاً فاتجه نحو أبو بكر ونحو عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، ولكنه لم يجد أن تجاوب من أحدهم، وعاد مرة أخرى إلى أهل قريش وأخبرهم بعزم محمد على إقامة الحرب عليهم.
استعداد المسلمين للخروج
جهز الرسول نفسه وجهز صحابته من أجل فتح مكة، ولكن أبقى الأمر سراً لم يخبر به أحد، حتى أبو بكر الصديق وابنته عائشة، فقد كان الرسول يحاول إخفاء الأمر عن الجميع من أجل إنجاح الأمر، وفتح مكة بسهولة، وقد قام يعمل حالة من التمويه على أهل قريش حتى لا يصلهم خبر أن الرسول جاءهم غازي لهم، فقد أرسل سرية إلى منطقة بطن إثم، حتى يظن البعض أن هذه المسيرة من أجل بطن أضم، وبعد أن بدأ الرسول بالتحرك نحو مكة قام أهل بطن أضم بإرسال رسالة إلى مكة المكرمة مع امرأة من أجل إخبارهم بنية محمد على فتح مكة، ولكن أعلم الوحي الرسول بذلك، وقام بإرسال اثنين من الصحابة إلى مكان هذه المرأة وأخذ الرسالة منها غصباً.
سير الرسول والصحابة إلى مكة المكرمة
جهز الرسول جيشاً من آلاف الصحابة، وخرجوا قاصدين مكة المكرمة، وكانوا صائمين، حتى وصلوا إلى بئر وأفطروا هناك، وأفطر معهم الرسول، وجلسوا في منطقة الجحفة، وهناك لقيهم العباس بن عبد المطلب والذي كان قد هاجر من مكة مع أولادهم، فسعد الرسول لرؤيته كثيراً.
وخرج أبي سفيان وعبد الله بن المغيرة، ولقيا الرسول عند منطقة العقاب، فأرادا الدخول إلى رسول الله، فرفض الرسول، ولكن رق قلبه فيما بعد، فأدخلهما إليه، جاءوه معتذرين ومسلمين، فعفا الرسول عنهم، وقبل أعذراهم.
وعندما وصل الرسول إلى مكة المكرمة، كان قد جهز الجيش جيداً من أجل دخول مكة من جميع الجهات، فقد قسم الجيش إلى عدة أقسام، وعلى كل قسم أمير لهم، من أجل دخول مكة، ومن ثم دخل أبو سفيان إلى مكة صارخاً في أهلها (يا أهل قريش إن محمداً قد جاءكم بما لم يأتكم به من قبل) فمن دخل بيت أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل بيته فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، فهرع الناس إلى بيوتهم وإلى المسجد وإلى بيت أبي سفيان.
دخل الرسول وأصحابه مكة من جهاتها الأربعة، وكانت هذه بمثابة الضربة القاسية لأهل قريش، حيث إنّهم لم يتمكنوا من مقاومة المسلمين أو ردهم عما جاؤوا من أجله، وهنا دخل المسلمين مكة، مكبرين مهللين، ومن ثم دخل الرسول خافضاً رأسه، ومردداً لسورة الفتح، وحامداً الله على هذا الكرم الذي أخص به المسلمين.
بعد أن أمن الناس إلى الرسول وأصحابه، خرجوا من بيوتهم واتجهوا إلى الكعبة، وكان الرسول يطوف حول الكعبة وبيده قوس يهدم به جميع الأصنام التي تقابله، ودخل إلى داخل الكعبة وقام بهدم جميع الأصنام الموجودة فيها، ومن ثم أمر بلال بن رباح أن يصعد إلى الكعبة ويرفع الأذان منها، وكان يردد (ظهر الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً).
وأصدر الرسول العفو عن بعض الأشخاص، وأباح دم البعض الآخر، ولكن من الأشخاص الذين أباح دمهم الرسول من جاءه طالبين العفو والصفح فقدمه الرسول لهم، وبدأ أهل مكة في الدخول في الإسلام.
وختاماً كان لا بد للنبي صل الله عليه وسلم أن يتّخذ طرق وخطوات العفو بشأن أهل مكة، ويتعامل معهم بمعاملة أهل الإسلام الذي نادى بها منذ بداية الإسلام، وبعودة النبي وأصحابه إلى أرض مكة توافدت الخلائق للدخول في دين الله سبحانه.