الحق طريقه واضح جلي أمام البصر وأمام البصيرة، فالحق يدخل العقل مباشرة وهذه إحدى علاماته وميزاته التي يتميز بها عن الباطل، فالباطل هش ضعيف أمام قوة الحجة والمنطق وهو يستخدم العجرفة والتفوق المصطنع والقوة والطغيان وسائل ليقارع بها هيبة الحق وجلاله، ولكن الخسران والانهزام مصيره في النهاية. وعبر البشرية كان هناك الصراع بين الحق والباطل حيث ابتدء هذا الصراع مع ابتداء البشرية وكانت أول هذا الصراع بقصة قابيل وهابيل، ثم أخذت دائرة الشرور تتفاقم وتزداد، ومع كل ازدياد لها كان الله – جل في علاه – يرسل النبي والرسول فيصطفيه اصطفاءً، ليعمل على دعوة قومه وإرشادهم إلى الطريق القويم، والذين ضلوا السبيل بغوايتهم وظلمهم وجبروتهم في الأرض وبمخالفتهم الفطرة الإنسانية التي جبلوا عليهم، فبمجرد إظهار الدعوة الجديدة يبدأ الصراع بين القوم وبين النبي الذي قد يمتد لسنوات طوال دون جدوى إلا اتباع عدد بسيط من القوم لهذا النبي، وينتهي بهم المطاف في الغالب بالعذاب الذي يستحقونه من الله – عز وجل -، ولم يتوقف الصراع بين الحق والباطل بين الأنبياء والأشرار، بل امتد ليشمل الدول والأشخاص والجماعات، فعند احتلال دولة لدولة أخرى أضعف منها يثور عليها سكان البلد المحتل دفاعاً عن وطنهم المسلوب، وهذا يعتبر نوعاً من انواع الصراع بين الحق والخير وبين الباطل والشر، وبتنوع أنواع الشرور والباطل لا بد أن تظهر قوة حق تقف في وجهه وتمنع امتداده وطغيانه وتجبره على الناس.
أرسل الله النبي والرسول محمداً – صلى الله علي وسلم -، خاتماً للأنبياء والرسل ومبشراً بدعوته المحمدية الإسلامية السمحاء، ومتصدياً للشرور والظلم الذين انتشرا في منطقة شبه الجزيرة العربية عن طريق البدء بإصلاح قومه وبنو جلدته قريش، فالتف حوله طائفة من المؤمنين وساندوه في دعوته، وكتعرف ما هو الحال في الصراع بين الحق والباطل، لا بد أن يمر الحق في جولات تصيبه فيها حالة الضعف والوهن، فبعد الليل النهار هذه هي السنة الكونية.
ذاق الرسول الكريم ومن معه من المؤمنين أصناف العذاب المختلفة، فتصاعدت ألوان هذا العقاب إلى ان وصلت إلى الطرد من مكة وسرقة ممتلكاتهم وثرواتهم وبيوتهم وأرزاقهم، فعادوا بعدها فقراء، ولكن الله أنجدهم بإغاثة من عنده باستضافة أهل المدينة المنورة لهم، فبعد الهجرة أذن الله لهم بقتال من بدأهم بالعدوان وهم كفار قريش فكانت اول معركة بينهم هي بدر، والتي انتصر فيها المسلمين عليهم، وقد حاول المشركون في هذه الواقعة استئصال المسلمين نهائياً من شبه الجزيرة العربية، وهي حرب دفاعية بامتياز دافع فيها المسلمون عن أنفسهم وعن فكرتهم إلى أن استقر لهم الأمر فيما بعد.