كان لكلّ غزوةٍ من غزوات النّبي صلّى الله عليه وسلّم سببًا ونتائج، ومن بين تلك الغزوات الكبيرة الّتي كان لها أثرٌ كبيرٌ في زيادة قوّة ومنعة الدّولة الإسلاميّة غزوة تبوك، أو كما سمّيت بالغزوة الفاضحة، وذلك لأنّها تكشف عورات المنافقين، وبيّنت أعذارهم الواهية في النّكوص عن المشاركة في المعركة، وسمّيت تلك المعركة أيضًا بمعركة العسرة بسبب المشقّة وشدّة الحرّ والقيظ وقتها، فمتى كانت هذه الغزوة المباركة؟ وتعرف على ما هى نتائجها؟
حدثت غزوة تبوك في شهر رجب من السّنة التّاسعة للهجرة، وكان سبب المعركة أنّ رسول الله عليه الصّلاة والسّلام قد وردته أخبار من قبل الشّام بأنّ الرومان يعدّون العدّة للهجوم على المسلمين وأراضيهم، وقد ساء الرّوم ما تبوّأته الدّولة الإسلاميّة من مكانةٍ على المشهد السّياسي والإقليمي حينئذٍ؛ إذ دانت لها كثيرٌ من قبائل العرب، وما إن بلغت تلك الأخبار مسامع النّبي حتّى استنهض قبائل العرب لإعداد العدّة والتّجهّز للنّفير من أجل بثّ الرّعب في نفوس الرّوم.
وقد نجح النّبي الكريم في حشد ثلاثين ألف مقاتل للتّوجه بهم إلى الشّام، وقد كانت الظّروف في تلك المعركة غايةً في الصّعوبة والشّدّة بسبب الحرّ والقيظ الشّديد، إلى جانب بعد المسافة ما بين المدينة المنوّرة والشّام، وعلى الرّغم من ذلك فإنّ المسلمين لم يتردّدوا في الاستجابة للنّفير، وقد ضرب كثيرٌ من الصّحابة أروع المثل في البذل والعطاء حتّى أنّ سيّدنا عثمان بن عفّان رضي الله عنه جهّز ثلث الجيش، وقد أتي أبو بكر الصّديق رضي الله عنه بكلّ ماله ليجعله في سبيل الله تعالى.
وعندما أصبح الجيش جاهزًا للانطلاق سار النّبي الكريم به حتّى بلغ عينًا تسمّى بعين تبوك، وقد بقي المسلمون فيها مدّةً تقارب عشرين يومًا، وقد حدثت مواقف كثيرة في هذه الأيّام منها أنّ المسلمين تعرّضوا للجوع الشّديد وقلّة الزّاد، فأمرهم النّبي الكريم بأن يجمعوا زادهم، ثمّ دعا لهم بالبركة فإذا طعامهم يكفيهم ويزيد، كما تعرّضوا لقلّة الماء، فدعا النّبي ربّه أن يمطرهم، فأتت سحابة فأمطرتهم حتّى شربوا وملؤوا قربهم.
ولم يحدث في غزوة تبوك أيّ التحام أو اشتباك مع العدو، ذلك بأنّ جيش الرّوم عندما بلغته أخبار جيش المسلمين ترك مواقعه وانسحب شمالًا، وعندما وصلت تلك الأخبار للنّبي استقرّ رأيه على الرّجوع إلى المدينة. وقد أعطت تلك المعركة هيبةً للدّولة الإسلاميّة، كما عقد النبيّ عهدًا مع إمارة دومة الجندل وإمارة إيلة اللتان كانتا مواليتين للرّوم، وكانت تلك الغزوة بداية مرحلةٍ جديدةٍ في تاريخ الدّولة الإسلاميّة؛ حيث توافدت بعدها وفود الجزيرة للدّخول في الدّين فيما سمّي بعام الوفود.