من سياسات الإستعمار الغربي الذي احتل معظم الدّول العربيّة في بدايات القرن العشرين أنّه سعى لتجزئة الدّول العربيّة إلى دويلاتٍ متناحرةٍ انطلاقاً من سياسة فرّق تسد ، و قد نجحت تلك السّياسة إلى حدٍ كبيرٍ في إحداث شرخٍ في العلاقات بين الدّول العربيّة حتى بعد إعلان استقلالها ، فأصبحت كلّ دولة على خلافٍ مع جارتها ، و قد غذّى الاستعمار الغربيّ التّناحر بين الدّول مستفيداً من اختلاف الطّابع العشائري و الدّيني داخل هذه الدّول ، و قد قام بمدّ الأفرقة المتناحرة بالسّلاح و العتاد لمقاتلة بعضها البعض ، و من بين القضايا الشّائكة التي برزت بين الدّول العربيّة و الإسلاميّة قضيّة ليبيا و تشاد ، فقد كانت ليبيا تحت الإحتلال الليبي و كانت تشاد تحت الإحتلال الفرنسي ، و قد اتفق الطّرفان في معاهدة مشهورة على أن يكون قطاع أوزو تابعاً للدّولة الليبيّة ، و لكن البرلمان في كلا الدّولتين لم يصدق على تلك الاتفاقيّة فبقت حبراً على ورق ، و حين جاء القذافي إلى سدّة الحكم في ليبيا منذ عام 1969 ازدادت العلاقات بين ليبيا و تشاد سوءً حتى انتهت بالقطيعة الكاملة عام 1971 ، و تتطوّر الأمر في فتراتٍ لاحقةٍ إلى الحرب المباشرة بين الدّولتين و خاصّة ما بين عامي 1978 و 1987 ، فقد سعى القذافي للسّيطرة على قطاع أوزو و إعادته إلى الحكم الليبي بالاعتماد على رئيس تشادي حليفٍ له كما حصل عام 1972 بين ليبيا و الرّئيس التشادي تمبلباي الذي اعترف بأحقيّة ليبيا في ضمّ قطاع أوزو إليها ، و قد بقيت القوات الليبيّة في هذا القطاع ثمّ في فتراتٍ لاحقةٍ فقدت ليبيا السّيطرة على قطاع أوزو حين توحّدت الحركات التشادية لطرد المحتل الليبي ، و قد ساهمت فرنسا في تحجيم القوّة الليبية من خلال دعم الحركات التشادية المناوئة لها ، و قد كان صدور قرار من محكمة العدل الدّولية عام 1994 ينصّ على أحقيّة تشاد بالمنطقة المتنازع عليها بمثابة رصاصة الرّحمة التي أطلقت على الأطماع الليبية في تشاد .
و يبقى أن نقول أنّ مشاكل وعيوب الوطن العربي و الإسلامي في أغلبها تعود للأطماع التي سيطرت على عقول البعض فجعلتهم يطمحون بالسّيطرة على المزيد من الأراضي بالرّغم من امتلاكهم ما يكفيهم لتأسيس دولٍ مدنيّةٍ حضاريّة .