القرآن الكريم
قال تعالى في كتابه العزيز: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون). القرآن العظيم هو آخر الكتب السماويّة نزولاً، فقد أنزله الله تعالى على رسوله الكريم محمد –صلى الله عليه وسلم-؛ ليكون رحمةً للعالمين؛ فالقرآن الكريم هو كتابنا العظيم الّذي فيه خلاصنا وخلاص أمتنا، وخلاص الناس أجمعين.
نظراً لأهميّة هذا الكتاب العظيم، ومكانته السامية الشريفة، وحاجة الناس إلى نصوصه في كلّ زمان ومكان، فقد توكّل الله تعالى بحفظه لفظاً إلى يوم يبعثون؛ فهو كتاب غير قابل للدس، أو الإضافة، أو الحذف، أو تغيير الكلمات، أو أيّ شيء آخر، باختصار هو كتاب ثابت على امتداد الزمان، وتغيّر المكان.
مراحل تدوين القرآن الكريم
بدأت عمليّة جمع القرآن العظيم منذ عهد الرّسول الأعظم –صلى الله عليه وسلم-؛ حيث كانت آيات الكتاب التي تتنزّل على قلبه الطاهر الشريف طوال اثنين وعشرين عاماً تحفظ في صدور المؤمنين، كما وكانت تحفظ على المواد التي كانت تستعمل في تلك الأوقات للكتابة والتدوين كالأكتاف، والعسب، واللخاف، وما إلى ذلك.
عُرفت مجموعة من الصّحابة الكرام باسم كتبة الوحي، وهم الصحابة الّذين كان الرسول الأعظم يأتمنهم على مهمّة كتابة الآيات القرآنيّة التي تتنزّل عليه من خلال الملك جبريل –عليه السلام- مباشرةً فور نزولها، ولعلَّ أشهر هؤلاء الصحابة؛ عبد الله بن مسعود، وعلي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وغيرهم الكثير.
بعد وفاة الرّسول –صلى الله عليه وسلم- وقعت حروب الردة، والتي استطاع أبو بكر وأدها والقضاء عليها، إلّا أن المسلمين دفعوا ثمن هذه الحروب باهظاً؛ فقد استشهد عدد كبير من الصحابة من حفظة القرآن العظيم؛ فخشي عمر بن الخطاب وأبو بكر الصديق –رضي الله عنهما- على القرآن من الضياع، فقرّر الصديق بإلحاح من الفاروق جمعه، وقد وكّل الصديق الصحابي الجليل زيد بن ثابت –رضي الله عنه- بهذه المهمّة العظيمة، وقد اتبع الصحابي الجليل منهجيّةً صارمة في جمعه للمصحف الشريف.
المرحلة الثالثة في تدوين القرآن الكريم كانت في عهد الصحابي الجليل عثمان بن عفّان –رضي الله عنه-؛ حيث شهد هذا العصر اتساعاً غير مسبوق في رقعة الدولة الإسلامية كلّها، الأمر الّذي أدى إلى ظهور العديد من القراءات القرآنية التي تختلف مع اللهجة العربيّة التي نزل بها القرآن، وعندما بلغ الأمر الخليفة الرّاشدي عثمان بن عفان –رضي الله عنه- طلب نسخة المصحف من حفصة بنت عمر بن الخطاب –رضي الله عنهما-، وأمر كلاً من عبدالله بن الزبير، وزيد بن ثابت، وعبد الرحمن بن الحارث، وسعيد بن العاص، فنسخوا المصحف مرّةً أخرى، ولكن هذه المرّة تمّ نسخه بلغة ولهجة أهل قريش فقط، ومن هنا فقد انتهى الخلاف في اللهجات والقراءات بين المسلمين، ووزّعت نسخ من هذا المصحف على كافّة مناطق الدولة الإسلامية، وبقيت نسخة في المدينة المنورة.