تتجلى قدرة الخالق بأبهى معانيها في كل دقة من دقات الكون، وتنفرد بنا أسرار الإعجاز بكل لحظة من لحظات الوجود،والبشرية بأسرها تضحي تبعية شديدة لمواطن الإنبهار الراسخ بأعماق النفس، ولعل الشواهد المرئية والملموسة تخفي خلفها دليلا كافيا لعظمة رب موجود واحد لا شريك له. فالنعم الربانية التي منحنا إياها رب العالمين بسعة كرمه جعلت منا مفكرين قادرين على استجلاب عظائم الأمور لمائدة عقولنا، وإن كان مظهر التفكير نعمة بحد ذاته فإنه لا يوجد اثنان يختلفان بتاتا على أن مجرد خلقنا عبارة عن أعظم نعمة منحنا اياها الخالق، وربما أن الإستشعار بوجود الله والتفكير في ملكوته من أهم النعم التي تضمن لنا عيشا آمنا يجعلنا نستحوذ على لذات الحياة بنفس منتعشة، فلو خضنا برحلة استطلاع حول الفائدة المرجوة من ذكر الله والتفكير به على الدوم، لكان لزاما على كل شخص واع مدرك لحقائق الأمور، ومستبصر بخفاياها،أن يعلم حينها النعمة الحق التي سيستحوذ عليها مجرد ما خضع لله عز وجل بالذكر والتبجيل.
لا يغرب عن بالنا أبدا أن كل إنسان يالبحث عن الطمأنينة التامة، والتي تجعله ينطلق في حياته بجناحين مصنوعين من ريش الإيمان النقي، ولا بد أن عداء الشيطان لنا قد بات متسمرا في عقولنا منذ الصغر، فأصبح همنا أن يهجرنا ويبتعد عنا إلى جحيم محتوم، ولن ننكر بتاتا أننا بحاجة إلى قلوب نقية خالية من الحقد والحسد وما شابه، ولرزق يغمرنا بحنانه، ولبركة تسطع في عتمة عمرنا، ولصحة تحمي أجسادنا من لعنة الأمراض، ولخير يعم حياتنا بكل تفاصيلها، فإن أردنا أن تتحقق كل هذه الأمور، فما علينا إلا أن نطهر لساننا ونعطر قلوبنا بذكر الله، فالله عز وجل كفيل بتحقيق كل ما سبق طالما حرص عبده على ذكره وطاعته.
لكن يجب التنويه إلى أن ذكر الله يتطلب الوعي في القول والحرص على فهم محتوى الذكر، فذكر الله بطريقة تقليدية لن يجعلنا نستجلب الخير القادم من مصدر رباني لا ينضب، فالذكر يتطلب التدبر، والتدبر يجب أن يقودنا إلى حقيقة نستشعرها بقلوبنا ونحللها بمختبر عقولنا، فنكون بذا قد أصبحنا من المفكرين المدبرين وليس المفكرين لمجرد التفكير،فالتفكير بأهمية وفائدة ذكر الله يعد من أعظم الأمور التي تستحق منا أن نفكر بها أو نشغل حيز العقل بسيلانها ،فذكر الله يجعلنا نكتشف بسهولة أسرار هذا الكون فنعم الله عبارة عن أسرار مكشوفة للمفكرين المدبرين، والذكر من شأنه أن ينشط العقل ويحرك جزيئات المخ، مما يدفع الجسم البشري لاستئصال الفائدة المعنوية والمادية بحذافيرهما، وكلما عظمت قيمة ذكر الله في نفس الذاكرين ، كلما نجحت العملية بتقديم الفائدة للجسم، والغذاء الروحاني للعقل ،وربما أنه قد وصل المعني من وراء القصد ، وأنه قد أصبح مفهوما أن مجرد ذكر الله والتفكير به وبقدرته يعد علاجاً للنفس البشرية ومصدرا آمنا لها من الغوامض التي قد تكتنف تفكير البشرية بين حين وآخر، فذكر الله بتدبر من شأنه أن يوصل العقل البشري لحقيقة وحدانية تريحه من عناء التفكير بالمجهول، وتتيح له النور المقتبس من المعرفة الذاتية، فالأمور قد باتت ظاهرة للعيان ولا تحتاج لواسطة، وأي شخص قد اقتحم عالم المنطق بإمكانه أن يصل للحقيقة بكل سهولة عبر سكة موتقة بالنور، وربما يتساءل سائل: ما مصدر هذا الجهل الذي يخيم فوق عقول كثير من الناس بالرغم أنهم من أصحاب العقول النيرة ومن المفكرين ويرون الأمور كما يراها غيرهم،حينئذ ستكمن الإجابة بالغطاء المنسوج بخيوط الكبر الذي انتشلوه بالوراثة أو ببلوغ المناصب الرفيعة فغطوا به عقولهم وجردوها عن التفكير وفي نهاية المطاف ان الله يهدي من يشاء. إن الإعتياد على ذكر الله لن يضيع سدى. ستسهل حياة الذاكرين بأوطارها، وسيتخذونها طريقا سهلا يقودهم للعمل على الهدف الذي خلقنا من أجله، فقد خلقنا الله تعالى لعبادته أولا ومن ثم لأعمار هذه الأرض التي نعيش عليها، وهذه العبادة لا تتحقق إلا بذكر الله ،فقد وفر الله لنا الجسم السليم والخلق القويم حتى نتمكن من أداء طقوس العبادة بتفان واتقان وسخر لنا العقل الذي يقودنا إلى التفكير السليم واستغلال الموجودات لعمل الاحسن وأفضل بالطرق ووسائل الأسهل، وآلية الاستغلال الأمثل تقود العقل البشري لتشكيل جزيئات الأرض بطرق ووسائل احسن وأفضل وذلك بتسخيره أقصى درجات النعم اثناء اعماره، لذلك لو تأمل كل فرد حوله لوجد أن ذكر الله قد بات يتخلل عباداتنا ويضع بصماته بكل زاوية من زوايا الفرائض.
إن المدقق بالسلم الزمني للتاريخ سيجد أن الله عز وجل قد يسر بكل زمان ومكان للمخلوقات كافة الطرق ووسائل والوسائل التي تمنحها حق الحياة، وحق الحياة من أبسط الحقوق المستحقة للمخلوق، ونجد أيضا أنه توفرت لديه القدرة على التكيف والتأقلم مع الموجودات لصالح ذلك المخلوق،وقد ميز الله البشر عن غيرهم من المخلوقات بهذا العقل الذي جعله يتطور عبر الأزمان ويرتقي بالسلم حتى يصل إلى أعلى درجاته،ويتيح أمامه الفرصة لتحقيق أدنى متطلبات البشرية، فيكون الرب المستحق للعبادة بشكل منفرد،الذي يجب أن نوجه له قلوبنا بتذلل وخضوع، وأن نستسلم له بكافة جوارحنا، وأن نحقق له الانقياد التام فنكون بهذا من الذاكرين الشاكرين. وفي ظل ما سبق، وبالحقيقة الجوهرية التي نعيشها لا يسعنا إزاء كل هذا إلا أن نذكر الله ونقول وبقلب خالص بالإيمان "لا إله إلا الله".