ليس الغريب على المرء أن يحب وطنه ، إنما الغريب أن لا يحبه و يحمل مشاعر العداء نحوه ، فالإنسان بطبعه يحب الوطن الذي ولد فيه و ترعرع ، كما يحفظ الإنسان أحداث الحياة المختلفة خلال مراحل حياته جميعا و يربطها بالمكان الذي حدثت فيه ، فتراه يقول لمن حوله قد كنت في مكان كذا أمارس هواياتي ، و كنت في مكان كذا ألتقي بأقراني من الأطفال نلهو و نلعب و نمرح ، فالذاكرة ترتبط بالمكان ، فالأحداث لا تخلد بدون أن ترتبط بالمكان ، لذلك كان الوطن خالدا في عقول الناس و قلوبهم ، فمهما ابتعدوا الناس عن وطنهم و سافروا ، يبقى الوطن في قلوبهم و يبقى الحنين إليه ، و قد عبر الشاعر عن ذلك حين قال :
وطني لو شغلت بالخلد عنه***نازعتني إليه بالخلد نفسي
و قد كان النبي صلى الله عليه و سلم قدوة للمسلمين حين أحبه وطنه و أخلص له ، و قد آلمه حين هم بالخروج من وطنه مكة المكرمة ، و قال مشيرا إلى وطنه و الله إنك لأحب البلاد إلى الله و أحب البلاد إلي ، و لولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت أبدا ، فعلم من حال النبي عليه الصلاة و السلام حبه لوطنه حتى و هو يتعرض للأذى و الشر ممن يسكنون هذا الوطن ، و لا يخفى على أحد ما كان يتعرض له النبي عليه الصلاة و السلام من بعض قومه فصبر على ذلك و احتسب .
فالمرء يحب وطنه لما ذكرنا آنفا ، ففيه ترعرع و نشأ ، و في ذكرياته الجميلة ، كما أن هذا الوطن هو المكان الذي يتمتع فيه الإنسان بحقوق لا يستطيع نيلها في بلاد أخرى ، فهو يتمتع بالجنسية و جواز السفر الذي يحمل اسم هذا الوطن ، كما يتمتع بحقوق المواطنة فيتمكن من التملك و الكسب و إبداء الرأي بحرية و المشاركة في العمل السياسي و تولي المناصب لخدمة وطنه ، لذلك تقع على الإنسان مسؤولية الدفاع عنه اتجاه المخاطر المختلفة فحين يتعرض الوطن للعدوان وجب على الإنسان أن يحميه و يدافع عنه ، و أن يدرك أن هذا الوطن الذي أعطاه الكثير يستحق منه ذلك .