يحمل معظم الناس مشاعر المحبة و الانتماء لوطنهم الذي نشئوا فيه و تربوا ، فكل إنسان له وطن يحن إليه إذا غاب عنه و يفتقده حين تتدلهم الخطوب به أو تضيق عليه البلدان ، و مهما بعد الإنسان عن وطنه يبقى هو الأصل دائما بذكريات الطفولة الجميلة و ذكريات النشأة الأولى ، و يبقى الإنسان معلق قلبه بوطنه لا ينساه أبدا مهما كثرت عليه المسؤوليات و تعددت و لا ينكر جميله عليه ، و قد عبر الشاعر عن حبه لوطنه بقوله:
وطني لو شغلت بالخلد عنه *** راودتني إليه بالخلد نفسي
و قد عمل الإستعمار جاهدا منذ أوائل القرن العشرين على اصطناع الحدود الوهمية بين البلدان العربية المختلفة ، فبعد أن كان الوطن واحدا كبيرا تجمعه أفراده قواسم مشتركة ، فالكل يتحدث اللغة العربية و الكل يدين بدين الإسلام إلا قليلا عاشوا في وطننا الإسلامي و تمتعوا بكل الحقوق و الواجبات و أعطوا الأمن و الأمان ، و قد ساهمت اتفاقية سايكس بيكو في تقسيم الوطن العربي و الإسلامي إلى دول مشرذمة تهتم كل واحدة منها بمصالحها الخاصة ، فأصبح هم الوطن الكبير و حلم تحقيقة صعب المنال ، فالمسلم في عقيدته يسعى لتحقيق الوحدة بمعاونة المسلمين بين جميع الأقطار العربية ، و إن كانت هناك محبة خاصة يجعلها في قلبه لوطنه الصغير و لا عيب في ذلك ، فلماذا يحب المسلم الصادق وطنه ؟ .
يحب المسلم وطنه لأنه كما قلنا هو منبع الذكريات الجميلة التي يستحضرها الإنسان بين الحين و الآخر و تكون مسلية له ، فذكريات الطفولة لا تنسى أبدا مهما مر الإنسان بعدها بتجارب جميلة ، لأن ذكريات الطفولة لها نكهة خاصة ترتبط بشقاوة الطفولة و مغامراتها .
و المسلم يحب وطنه لأنه المكان الذي يعطيه الأمن و الحماية ، و هو المكان الذي يعيش فيه و يأكل من خيراته و يتنفس من هوائه ، و هو المكان الذي يفترض أن يوفر له ما هى اسباب الرزق الحلال و طرق ووسائل كسبه ، لذلك يشعر الإنسان حين لا تتوفر له ما هى اسباب الأمن و الحماية و العيش الكريم الطيب بالغربة في وطنه ، و كما قيل الفقر في الوطن غربة ، و لكن يبقى الوطن عزيزا في نفس الإنسان مهما قسى عليه .