الإسلام دين يسرٍ لا عسرٍ، يدعو دائمًا إلى أداءِ العبادات للهِ عزّ وجلّ مع أقل أنواع المشقة، فدفع الله عزّ وجلّ المشقة والحرج بوضع الرُّخَصِ لعباده، وحددها بقوانين ليعم العدل والحكمة، فقد خلق الإنسان ضعيفًا، والله أعلم بما خلق، قال تعالى: " لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ" سورة البقرة الآية 286. لذلك وضع الله رخصا في صيام الفرض، قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" سورة البقرة الآيات 183-184. أما تفاصيل ما أجازه الله لعباده في عدم الصوم فهو الآتي:
أولًا: من رخّص لهم بالفطر وليس عليهم قضاء ولا فدية:
ثانيًا: من رخّص لهم بالفطر وعليهم القضاء دون الفدية:
الأول: خوفهما على نفسيهما فقط. الثاني: خوفهما على نفسيهما وولديهما معًا.
ثالثا: من رخّص لهم بالفطر و وجب عليهم القضاء مع الفدية:
رابعا: من رخّص لهم الفطر وعليهم الفدية فقط:
هي إطعام مسكين مقدار مدّ (إناء مكعب طول حرفه 9,2 سم، ويعادل وزن ملئه حنطة ثلاث أوقيات تقريبا، أي 750غم على مذهب المالكية والشافعية، أما مذهب الحنفية فهي نصف صاعٍ من البُر (حنطة) أو صاع تمر أو زبيب أو أرز) من غالب قوت البلد، عن كل يوم فطر به الشخص، لقول الله تعالى: "وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ" سورة البقرة الآية 184. ولا يجوز إخراج الفدية إلا طعاما على رأي جمهور العلماء لنص الآية الصريح، لكن المذهب الحنفي قد أجاز إخراج القيمة مالا. ولا يجوز إخراج الفدية قبل رمضان، وإنما تخرج بعد دخول ليلة الصيام، ويمكن إخراج الفدية مجتمعة من أول الشهر أو آخره أو يوماً بيوم. أما صفة الإطعام فتكون إما بإعطاء كل مسكين نصف صاع من الطعام كالأرز ونحوه (أي كيلو جرام ونصف تقريباً) ، أو يصنع طعاماً ويدعو إليه المساكين، وقد ذكر عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه كان يجمع ثلاثين مسكيناً فيعشّيهِم فيكون ذلك بدلاً عن صوم الشهر . وإن مات العاجز عن الصيام، وجب على الورثة إخراج فدية صيامه من المال الذي تركه قبل توزيع الإرث، وإن لم يترك المال وكان أولاده لديهم المال فهم المسؤولون عن إخراج فدية الصيام.
حكم المُعْسِرْ الذي لا يستطيع أداء الفدية:
إذا كان الشيخ أو المريض مرضًا ميئوسًا منه معسرين، فالراجح و الأصح من الأقوال أنه لا تلزمهما الفدية، ويسقط عنهما القضاء. فقد قال ابن قدامة المقدسي في "المغني" (4/396) وهو كتاب يعد من أهم المراجع الفقهية في المذهب الحنبلي: "الشَّيْخُ الْكَبِيرَ وَالْعَجُوزَ إذَا كَانَ يُجْهِدُهُمَا الصَّوْمُ , وَيَشُقُّ عَلَيْهِمَا مَشَقَّةً شَدِيدَةً , فَلَهُمَا أَنْ يُفْطِرَا وَيُطْعِمَا لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا . . . فَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الإِطْعَامِ أَيْضًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَ ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا ) . . . وَالْمَرِيضُ الَّذِي لا يُرْجَى بُرْؤُهُ، يُفْطِرُ، وَيُطْعِمُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا؛ لأَنَّهُ فِي مَعْنَى الشَّيْخِ اهـ باختصار . وقد أكد الشيخ ابن باز هذا الكلام بكتابه (مجموع فتاوى ابن باز (15/203)).