حين خلق الله تعالى الدّنيا جعل لها بدايةً و جعل لها نهاية ، فمهما طال العمر بالإنسان فإنّ مصيره الموت و انتهاء الحياة ، و في الحديث الشّريف من مات فقد قامت قيامته ، فيكون الموت و القبر أوّل منازل الآخرة حيث ينقطع العمل ، و لا ينفع بعدها الإنسان إلاّ رحمة الله سبحانه و تعالى و عمله ، و قد جعل الله لقرب انتهاء الدّنيا و حلول يوم القيامة علاماتٍ و أمارات ، فمنها علاماتٌ صغرى قد ظهر كثيرٌ منها ، و علاماتٌ كبرى لم تظهر ، و إنّ علامة طلوع الشّمس من مغربها هي التي تسدّ باب التّوبة ، فلا ينفع نفسٌ إيمانها لم تكن آمنت من قبل ، أو كسبت خيراً ، و قد ثبت عن النّبي صلّى الله عليه و سلّم أنّ القيامة لا تقوم إلاّ على شرار النّاس حيث يبعث الله ريحاً تقبض نفوس المؤمنين ، ليبقى شرار النّاس يتسافدون تسافد الهيم ، و تبدأ أهوال يوم القيامة ، فتنشقّ السّماء و تصبح كالزّيت المحميّ الذي يغلي ، و ترجّ الأرض و تخرج ما فيها من حممٍ و أثقال ،و تنفصل الجبال عن الأرض و تسير سير السّحاب ، و تخسف الشّمس و القمر ، و تتساقط النّجوم و تتناثر ، في مشاهد مرعبةٍ تخلع القلوب من مكانها و تنزعها ، و يصبح النّاس كالسّكارى لا يدرون أين يذهبون و يتوجّهون ، هائمين على وجوههم ، فيشيب الولدان ، و تترك المرأة مولودها و رضيعها ، وتضع ذوات الأحمال حملهن .
و بعد أن يأمر ربّ العزّة جلّ و علا إسرافيل بالنّفخ نفخة البعث ، حيث تبثّ الرّوح في أجساد النّاس بعد موتها ، ينادى على كلّ واحدٍ ليحاسب على عمله ، و القول الرّاجح أنّ الإنسان ينادى باسمه و اسم أبيه ، فلان بن فلان ، لما ورد في الصّحيح أنّ للغادر لواءً يرفع يوم القيامة ، يقال هذه غدرة فلان بن فلان ، و لا عبرةً لمن يقول أنّه ينادى باسم أمّه لقوله تعالى ( يوم ندعو كلّ أناسٍ بإمامهم ) ، حيث قال بعض المفسرين ، إمامهم جمع أمّ ، و قد ردّ أغلب العلماء بعدم صحّة هذا الاستدلال و التّفسير .