1 – صدقة جارية : وهي التي يبقى أصلها ثابتا ويُتصدق بما ينتج عنها من ريعها كالأوقاف , ولقد أدرك المسلمون قيمة الأوقاف لما يترتب عليها من استمرار العمل الصالح, فكان من نتيجة ذلك قيام مرافق اجتماعية مهمة على هذه الأوقاف كالمساجد والمدارس والمكتبات ودور الأيتام والعجزة , وكان الدافع للمسلمين في ذلك البذل هو الاستجابة لتوجيه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث , وهذا يُعدُّ من مقاييس صلاح المجتمع ووعيه الصحيح لمفاهيم دينه .
2 – أو علم ينتفع به : والمقصود بذلك العلمُ الذي يستمر انتفاع طلاب العلم منه بعد موت صاحبه , وإنَّ من أبرز مايدخل في ذلك الكتب الإسلامية , ولقد أدرك ذلك العلماء رحمهم الله تعالى فأثروا المكتبة الإسلامية بمؤلفاتهم التي خلَّدت ذكرهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها, وكم من دعوات صالحة نالها هؤلاء العلماء من المنتفعين بكتبهم من طلاب العلم على مر العصور. وإن ما يخلِّفه العالم من طلاب العلم الذين يُعدُّون امتدادا لمدرسته ممَّا يدخل في مفهوم وتعريف ومعنى هذا الحديث , لأن هؤلاء الطلاب يحملون علمه إلى الناس المعاصرين لهم ويورثونه من يأتي بعدهم . ومن هنا يتبين لنا أن تربية التلاميذ وتعليمهم حتى يصبحوا قادرين على حمل مسؤولية العلم أمرٌ مهم لايقل عن تأليف الكتب أهمية وفائدة , بل كلاهما مصدر لبث العلم النافع . ولقد اكتُشفتْ في هذا العصر وسائل نافعة لحمل العلم مدة طويلة وأدائه بصوت صاحبه أو بصوته وصورته معا بعد موته وكأنه لايزال على قيد الحياة . ومن قوله صلى الله عليه وسلم "أو علم ينتفع به" نفهم أن هذا الخير الكبير الذي هو استمرار العمل الصالح بعد الموت إنما يكون بالجمع بين كون ما يُؤدَّى علما وكونه نافعا , فإذا لم يكن علما أو كان غير نافع فإنه لايترتب عليه رفع عمل صالح .
3 – أو ولد صالح يدعو له : والولد يعني المولود فهو يشمل الذكر والأنثى , وهذا العنصر الثالث يلزم لتحقق الانتفاع به ثلاثة أشياء : وجود الأولاد من بنين وبنات , وكونهم صالحين, واهتمامهم بالدعاء لوالديهم , فإذا تحقق ذلك فإن الإنسان يستمر عمله الصالح بعد موته , وهو بهذا يجني ثمرات جهده الطويل واهتمامه الكبير بتربية أولاده حتى أصبحوا صالحين .
([1] ) صحيح مسلم , رقم 1631 , الوصية (ص 1255) . جميع الحقوق محفوظة لموقع علماء الشريعة