الحميات الغذائية مرتع للخرافات ولخدع الحلول السحرية، وقد تحولت في السنوات العشر الأخيرة إلى هوس عالمي، بل إلى مشكلة عالمية، تتسبب بالضرر أكثر من الفائدة. أنا لا أقول بضرر الحميات الغذائية ككل، ولكن بضرر اسقاط لفظة "حمية غذائية" على الكثير من الممارسات الضارة. الحمية الغذائية أو النظام الغذائي الحقيقي عبارة عن أسلوب حياة، لا تحصر بأسبوع أو شهر، كما تشمل جميع الأطعمة المختلفة، ولا تحصر بالسلطة مثلاً، فهي نظام غذائي/حياتي متكامل.
عندما تقرر انك تحتاج خسارة بعض الوزن فعليك قبل أن تبدأ وتلزم نفسك بحمية، أن تسأل نفسك: "ماهو هدفي من الحمية؟" لأنك بناءً على إجابة هذا السؤال ستختار نوع الحمية. فإذا كان هدفك مجرد نزول الوزن بأسرع وقت ممكن لحضور حفلة أو مناسبة معينة، فإن الحمية ستكون على الأغلب عبارة عن "تجويع" قاسي لفترة قصيرة، وستكون النتيجة نزول الوزن كتعرف ما هو مرغوب ولكن على حساب الصحة، وستستعيد الوزن المفقود مجدداً وبل ربما أكثر!
احذر من وعود الحميات بانقاص الوزن، لانها تعد بانقاص الوزن فقط، وهي تحقق ما وعدت ولكن بأي ثمن؟! إذا فقدت الوزن بالطريقة الخطأ فستصيبك عوارض سوء التغذية، وعلى الأغلب ستستعيد الوزن المفقود بعد انتهاء فترة الحمية المحددة. هذا لأن الجسم في فترة التجويع تتغير سرعة عملياته الأيضية وتزداد قابليته على تخزين الدهون، وهو رد فعل طبيعي في حالات المجاعة، حيث أنك تعلم جسمك وتدربه بهده الحمية على تخزين الدهون وعدم فقدانها بسهولة حتى يتحمل فترة الجوع الطويل. وهذا ما يتسبب بحالة صعوبة انقاص الوزن للأشخاص الذين يتبعون الحميات القاسية التجويعية بشكل متكرر.
لا تقس فاعلية الحمية على المدى القريب بل قسه على المدى البعيد، فهذا هو ما تحتاج. يجب عليك أن تقرر هدفاً شاملاً لا يتمركز حول خفض الوزن فقط، بل أن يكون من أجل صحة احسن وأفضل وحيوية وطاقة أعلى خلال اليوم، ويحافظ على الوزن المفقود، وأيضاً يقلل خطر الإصابة بالسكري وارتفاع ضغط الدم وارتفاع الكوليستيرول وغيرها من الأمراض.
حتى تكون الحمية الغذائية فعالة وصحيحة، يجب ألا تجوّع نفسك ولا تحرمها، بل كل باعتدال؛ خفف الكمية ولا تضحي بالنوعية، وكل الحلوى إذا أردت ولكن خفف الكمية التي تتناولها، مثلاً 3 -4 مرات بالأسبوع وتناول نصف الكمية التي اعتدتها، الحمية يجب أن تجعلك سعيداً وتبقيك سعيداً حتى تستمر عليها طوال حياتك، فالهدف من الحمية هو أن تكون أسلوب حياة صحي، فجد الأسلوب المناسب الذي لا يجعلك تمل بعد شهر او شهرين، وتعود لأسلوب الحياة القديم وكأن الحمية لم تكن. شعورك بالحرمان من صنف معين من الطعام، مثلاً من الشوكالاته ستجعلك تقدم على تناولها بشراهة بعد إنهاء الحمية، فلا تقصيها تماماً، وتعوّد عليها، وعلى تناولها بكميات معتدلة، واستمر بحمية أو نظام غذائي طويل ومريح. وهذه هي القاعدة الذهبية الأولى في الحمية "الاعتدال".
أما القاعدة الثانية وهي تضاهيها بالأهمية وفائدة فهي "التنظيم". نظم وقتك ووقت تناولك للطعام، واعلم أن تناول الطعام على 5 أو 6 وجبات صغيرة احسن وأفضل من تناولها على وجبتين أو ثلاث وجبات كبيرة، لكن انتبه، أنا أتكلم هنا عن نفس كمية الطعام المعتدلة اليومية - كما في القاعدة الأولى - توزع على 6 وجبات بدلاً من ثلاث ، "نفس" الكمية المعتدلة يتم تقسيمها على 6 صغيرة بدلاً من 3 وجبات كبيرة، فزيادة عدد الوجبات يعني تقليل الكمية في كل وجبة. يساعدك التنظيم على عدم الشعور بالجوع خلال اليوم وهكذا تتفادى تعلم جسمك تخزين الدهون بفاعلية أعلى، كما تتفادى بطء عملياتك الأيضية علماً أن العمليات الأيضية البطيئة تعني أنك تحرق سعرات حرارية أقل خلال اليوم.
نصل إلى القاعدة الثالثة وهي "التنوع". نوّع بين الأصناف المختلفة، لا تجعل نظامك الغذائي اليومي يعتمد على النشويات بشكل حصري، النشويات مثل الخبز والأرز والبطاطا، بل عوّد نفسك على تناول الخضار والفواكه بشكل يومي، وتعلم طرق ووصفات جديدة تدخل بها الخضار والفواكه إلى نظامك، تعلم أنواع جديدة من السلطة لتتناولها كل يوم، لا تعش على السلطات!! بل قم بتناول الخبز والدجاج والأرز وتنوال من حلواك المفضلة، وتنوال أيضاً السلطة، هكذا تضمن أنك تتناول غذاءً صحياً متوازناً، وذلك باتباع التنوّع والتنظيم والاعتدال.
اخسر وزنك ببطء وحافظ على هذه الخسارة، واكسب صحتك، لهو احسن وأفضل لك من تلك الحلول الخرافية السحرية التي يروج لها البعض للخسارة السريعة للوزن، فهي - وإن نجحت بافقادك الوزن - لا تعد بصحة احسن وأفضل على المدى الطويل. غير أسلوب حياتك للأفضل، غير عاداتك وممارساتك الغذائية، وتبنى أسلوب حياة نشط وحركي وإن لم تمارس الرياضة بجدية في أحد النواد الرياضية. أعود للسؤال "تعرف ما هو هدفي من الحمية؟" لا تجعل هدفك انقاص الوزن، بل اجعله الصحة والسعادة والرضا عن النفس. وأن تصل للهدف الصحيح المرجو ببطء خير، من أن تصل بسرعة إلى هدف خادع وزائل.